المثقفُ التابعُ مطروداً طباعة

ســعدي يوســف

قد يغالي المثقفُ التابعُ في محاولته التماهي مع المستعمِر ، إلى حدِّ الوقوع ضحيةَ ذلك التماهي ، فلا يرِفُّ له جفنٌ ، ولا تبْدُرُ منه بادرةٌ لمراجعة موقفٍ ، أو التفكير بمصيرٍ أفضل له ، ولأبنائه إنْ كان لديه أبناءٌ .
المستعمِرُ نفسُه ، قد يتخلّى عن المثقف التابع ،  فيطرده من العمل ، أو يجعل ظروف عمله مستحيلةً ، لكن المثقف التابع يظل متشبثاً بسيده ، بالرغم من الركلات المتتالية التي نالها . بعد انتهاء مهمة الوكالة الاستعمارية  ومغادرتها البلد ، يبذل المثقفُ التابعُ المستحيلَ للمغادرة مع تلك الوكالة ، لكن الوكالة  خاضعةٌ لقوانين بلد المتروبول ، وهي لا تستطيع اصطحاب المثقف التابع ، هكذا ...

الظروف المحيطةُ بالمثقف التابع ، في بلده ، لم تَعُدْ مواتيةً .  فالناسُ يرفضون ، رفضاً متزايداً ، الاستعمارَ  ، ويرفضون أعوانه ، ومن بينهم المثقفُ التابعُ . والناسُ قد يستعملون السلاحَ تعبيراً عن رفضهم . آنذاكَ  قد يتعرض المثقفُ التابعُ لخطر القتل أو التهديد المستمر بالقتل ...
يُضطَرُّ هذا ، اضطراراً ، إلى مغادرة البلد ، بلده ، لكنه  لفرط ولائه للمستعمِر ، يفضِّل الإقامةَ في بلدٍ قريبٍ ( الأردن مثلاً ) كي يستمرّ في تقديم خدماته للمستعمِر . وقد يدبِّرُ إقامته  في بلدٍ ( مثل لبنان ) تحت واجهة مركزٍ للأبحاث أو للتجارة . عددٌ  من المثقفين التابعين يشعرون أنهم مطرودون ، بالفعل ، من العراق العربي ، فيدبِّرون لهم  ، في أربيل أو السليمانية ، مقراتٍ يمارسون منها نشاطهم الموالي للاحتلال  . وربما كسبَ بعضُهم مالاً وفيراً  جعله يقيم  مراكز " بحث " ، أو يؤسس شركاتٍ تجاريةً مشبوهة المعاملات في أوربا وأميركا وأستراليا وسواها من القارات .
في هذا كله ، لا يشعر المثقفُ التابعُ بأيّ تأنيب ضميرٍ .
في هذا كله ، لا يشعر المثقفُ التابعُ بالقلق .
إنه يزدادُ سقوطاً في حفرةِ وهمهِ .
وهو يرى  ، ما  هو  فيه ،  ثمناً للحرية لا بدّ من دفعه  !
وإذ يحضرُ هذا المثقفُ التابعُ  مؤتمراً أو ندوةً  ، يبالغُ في الدفاعِ عن الاحتلال ، إلى حدٍّ يُخجِلُ ممثلي الاحتلال الفعليين أنفسَهم ...
باختصار :
المثقف التابعُ يرى أنه انتقل ، بالفعل ، إلى الضفة الأخرى .
*
لكن ، وكما أسلفْنا في معالجةٍ سابقةٍ ،  تجري الرياح بما لا يشتهي .
المستعمِر ، يقطع ، فجأةً ، حبلَ النجاة .
يحرمه الموردَ المخصّص .
آنذاك تَـمْــثُــلُ أمامنا الصورةُ بكل وضوحها :
المثقفُ التابعُ مطروداً !

لندن 04.01.2008

اخر تحديث الجمعة, 04 يناير/كانون ثان 2008 22:31