سعدي يوسف في مقالةٍ سابقةٍ ، تحدثتُ عن المثقف التابع ، متماهياً مع المتبوع المحليّ ( وكلاءِ الاحتلال في العراق الحاليّ ) ، وكيف أن هذا التماهي يظل قائماً ، حتى وإن عاش هذا المثقفُ التابعُ في بلدانٍ أوربية مثلاً ، أتاحتْ له فرصة الاستقلال بالرأي والتمتع بحقه في أن يكون فرداً حراً . غير أننا نجد أنفسنا أمام نوعٍ آخر من المثقف التابع ، نوعٍ يعيش داخل البلد أكثرَ مما يعيش خارجه ، إنْ لم يضطرّ
اضطراراً إلى الهجرة . هذا النمطُ من الناس ، يحاول تقليدَ المستعمِرِ في كل شــيء ٍ . إنه يريد الانسلاخَ التامَّ عن بني قومه ، والالتحاقَ التامَّ بالمستعمِر ، لغةً وملبساً وطريقةَ عيشٍ . وهو ، إنْ اضطرَّ إلى العيش خارج البلد المستعمَر ، التحقَ بالرجعيّ والمتخلف في بلد المتروبول ، فتراه يقف إلى جانب ممثلي الرجعية ، ويرفض دعوات التظاهر لجلاء القوات الأجنبية عن بلاده ، ويصوِّت في الانتخابات لصالح الأحزاب الرجعية ، حتى وإن رفضَها الشعبُ ( البريطانيّ مثلاً ) . أمّا في داخل البلد المستعمَر ، فتراه يجهد جهداً لا مثيل له ، في محاولة تقليد المستعمِر . في اللغة : يحاول المستحيل لإخفاء لُـكْنتِه . في الملبس : يبالغ في التأنق أكثر من المقلَّــد . في طريقة العيش : يتّبعُ ، بدقّةٍ شديدةٍ ، أصولَ المأكل والمشرب ، وعادات السلوك من تحيةٍ ، وطرائقَ في المناسبات ... إلخ . باختصارٍ : لقد ضاق ذرعاً بقومه ، فهم كسالى مقارنةً ، ذوو لغةٍ متخلفة ، قذرون ، مضحكو الثياب ، لصوصٌ ، محتالون ... وهو يريد أن ينتقلَ إلى الجانب الآخر . * لكن الجانب الآخر ، ليس مستعداً للقبول بهذا القادم المتلهف . المستعمِر لا يسمح له بالاندماج . سوف يكتشف لُكنتَه ، ويعيّره بها . سوف يقول له إن ثيابه ليست مناسبةً . إن رائحةً غير مستحَبّة تنبعث منه . إن عمله ليس بمستوى عمل المستعمِر . المستعمِر يضع كل العوائق الممكنة ، كي يمنع المثقفَ التابعَ من الانتقال إلى الضفةِ الأخرى . * المثقف الماركسيّ التونسيّ ، ألبير مامي ، يرى هذا الرفضَ طبيعياً . التساوي يعني إلغاءَ ثنائيةِ المستعمِر والمستعمَر . التساوي يعني تطبيق قوانين المتروبول على المستعمَرة . التساوي يعني إلغاء أطروحة التفوق التاريخي أو العِرقيّ أو العُرفيّ . * ماذا تبقّى للمثقف التابع ، إذاً ؟ ثمّتَ خيارانِ : 1- الـمُضيّ العبثيّ في محاولة التماهي المستحيل . 2- العودة إلى بني قومه ، والعمل على تحرير البلاد من المستعمِر . لندن 21.12.2007
|