الحِرْبةُ الثلاثية " الفالة " والجسم الثقافي العراقيّ طباعة

ســعدي يوســف
 كنتُ أشــرتُ في مقالة سابقةٍ إلى الضعف التاريخيّ الكامن والموروث في شخصية المثقف العراقيّ ، وعبّرتُ عن ذلك بمصطلح "  نظام المثقف التابع "  .
والحقُّ أن هذا النظام لم يأتِ مصادفةً ، ولم يكن البتّةَ من اختيار المثقف ، فليس من مثقفٍ يختارُ العبودية والتبعيةَ  راغباً .
المؤسسة ، أهليةً كانت أم حكومية ً ، ظلّت تبذل جهداً واضحاً  لاحتواء الثقافة والمثقفين في ظروفٍ  لا يزال فيها للمثقف دورٌ اجتماعيّ  هامٌّ بل مرموقٌ .
الهاشميون فعلوا ذلك .
البعثيون أوغلوا في ذلك .
الأحزاب ، جميعها ، فعلت ذلك .
وما الذي انتهى إليه الأمرُ ؟

القضاء شبه الكامل على الثقافة الوطنية .
حتى إذا  جرى احتلالُ البلد ، وأُعيدتْ عمليةُ استعمارِهِ ،  وقف المثقفون مع الاحتلال  ، أو اكتفَوا  بالصمت المطْبق .

*
الآن ، ومع الرفض الشعبي المتزايد والعميق للاحتلال وسلطته المحلية ،  تتكثّف جهودُ المؤسسة لمنع أي إمكانٍ لتحوّلٍ في موقف المثقفين العراقيين ، هذا التحول الذي بدأنا  نشهد بوادرَه المتواضعة .
واتّحدتْ أطرافُ  المؤسسة المحلية التابعة ، بالرغم من كل اختلافاتها ،  كي تكتِّفَ المثقفَ تكتيفاً لا مثيل له .
وبالإمكان تصنيف الحربة الثلاثية " الفالة " الموجّهة إلى صدر المثقف العراقي كالآتي :
1-  جهة جلال الطالباني ، بمستشاريه وممثليه .
2- جهة الحكومة المحلية ذات التوجه الديني الرجعي المتعصب .
3- جهة أحمد الجلبي ، المعروف بشراء المثقفين منذ أن كان في الأردن  مديراً لبنك " البترا " .
     هذه الجهة الثالثة نشطتْ مؤخراً في أوربا والمهجر الأميركي والأستراليّ ، تمهيداً لعودة الجلبي إلى الساحة .
الجهات الثلاث كلها تصبّ جهودها ، في نهاية الأمر  ، بل في بدايته ، لصالح المحتل الأميركي ، وإن اتّخذَ الجهدُ طابعاً محلياً محدداً .

*
يبدو لي أن الحربة الثلاثية تحقق نجاحاً بالفعل والقول .
لكن هذا النجاح يظل موهوماً  ، يظل قصيرَ الأمدِ ، كالحياة السياسية لأصحابه  .
فالاستعمار راحلٌ :
بدأ  الرحيل إيطالياً
ثم بريطانياً .
ثم أستراليّاً ، وبولندياً ...
إلخ ...
وجورج دبليو بوش راحلٌ بعد شهورٍ إلى الجحيم  .
*
المثقف العراقيّ مدعوٌّ  إلى قولة : لا !

لندن 26.11.2007