جحيم عبد العزيز الحكيم طباعة

سعدي يوسف
في الصورة يبدو عبد العزيز الحكيم  ، إلى جانب جورج دبليو  بوش ( ولِـيّ  المسلمين الذِّمِّـيّ ) ، في البيت الأبيض . بوش يواصل التلويحَ بيديه ، والكلامَ التافه غير المتّصل ، بينما يحاول الحكيمُ الابتسامَ ، فلا يخرج إلاّ بتكشيرة صفراءَ  مليئةٍ قيحاً .صحيحٌ أنه كان أقلّ ارتباكاً من نوري المملوكي حين استُدعِيَ للقاءِ سيّده الذمّيّ في عَمّان ، إلاّ أن التعيسَينِ متساويان في منزلة العبدِ التي نزلاها مختارَينِ .أليس الوقتُ ، أعني وقت الزيارة ، مَدعاةً لتساؤلٍ ؟ تساؤلٍ عن الجدوى ؟ بوش راحلٌ فعلاً ، وأركان بيته الأبيض تنهار  ، ركناً بعد آخر . وتفاصيل انسحاب القوات الأميركية من العراق وضِعتْ فعلاً موضع التطبيق . لمَ ، إذاً ، يتوسّل الحكيمُ لبقاءِ جـيوشِ الاحتلال ؟ غباءٌ للعبدِ يقلِّـدُ غباءَ السيّــد ؟ ربما ...
رجلٌ يلبس جبّة الدين ، يطلب من بوش الإبقاءَ على عسكره ! بوش الذي يمثل ، وينفِّذ ، أسوأ ما خطّط له المحافظون الجددُ وحـلموا به  ،وبالذات ما يتّصل بالاسلام .المحافظون الجددُ يدعون إلى تغيير جذريّ ، بالقوّة ، للمجتمع المسلم . وبالضد من قادةٍ أميركيين محافظين مثل  إدموند بَرْك المتحفظ على إعادة خلْقِ العالم أميركياً ، يرى جوشوا مورافـتشيك  ، أحدُ قادة المحافـظين الجدد الكبار ، أن " مهمّة أميركا  هي إعادة صُـنْعِ المجتمع الإسلامي " .
America’s job is to remake Islamic society.
وليست بعيدةً ، تلك الأصداءُ ، آنَ صرّحَ جورج دبليو بوش بأنه يخوض حرباً صليبيةً !
هل صار الحكيمُ ، فجأةً ، صليبياً في كنيسة وَلِــيِّــهِ  ؟
أمْ أن ضرباً من جنونٍ مَسَّــه ، شأنَ سيِّـدِه ؟
في هذا الوقت بالذات ، تتصاعد في الولايات المتحدة ، ذاتِها ، الأصواتُ المطالِبة بمحاكمة الرئيس بوش أمام محكمـة جرائم الحرب في لاهاي  ، وبإدخاله مستشفىً للأمراض العقلية .  يتساءل الكاتب الأميركي بول كريج روبر تس  في عنوان مقاله  أمس : هل الرئيس بوش سليمٌ عقلياً ؟
عشرات الملايين من الأميركيين يدعون إلى تقديم بوش للمحاكمة على الكذب والتضليل اللذينِ اتّبعهما لشنّ حربٍ غير مشروعة ،  وللحنث بقَســمِه التمسّكَ بالدستور الأميركي . الرئيس الأميركي متورط في إنكار الحقائق إلى حدٍّ فقدَ فيه العلاقةَ بالواقع .  ولم يعُدْ بالإمكان وضعُه بين الأصحّاء عقلياً . من هنا جاءت الدعوة إلى وضعه في مصحٍّ للأمراض العقلية . في الثامن والعشرين من تشرين ثان ( نوفمبر ) أعلن بوش أن القوات الأميركية لن تنسحب من العراق حتى تكمل مهمتَها في بناء عراق مستقر ديمقراطي ، قادرٍ على نشر التغيير الديمقراطي في الشرق الأوسط . قال هذا ، حين أعلن كولن باول أن العراق في حرب أهلية ، وحين ذكر تقريرٌ سريّ من المارينز أن القاعدة هي التي تحكم الأنبار ، لا السلطات المحلية ولا القوات العراقية أو الأميركية . وفي عمّان جَدّد الحديثَ عن " بناء ديمقراطية مستقرة " بينما تسرّبت من تقرير" مجموعة دراسة العراق "  الدعوةُ إلى سحب كل القوات الأميركية من العراق  .
هذه المجموعة هي برئاسة جيمس بيكر ،  منقذ آل بوش ، المرسَل من الأب لإنقاذ الإبن ، لكن يبدو أن الإبن  نفسه ، ليس لديه من سلامة العقل ما يجعله يقبل بأن يُنقَذَ .
هل يسعى عبد العزيز الحكيم إلى طرد المالكي  ، باعتباره كبشَ فِداءٍ ؟ عنزةَ فِداءٍ بالتعبير الأميركي؟
Scapegoat?
الأمر سهلٌ جداً !
إذ كيف يتوقّعُ امرؤٌ أن ينقذ المالكيّ العراقَ ، بينما لا تستطيع القواتُ الأميركية تأمين الحماية الكافية لأعضاء الحكومة العراقية في مغادرة المنطقة الضيقة الحصينة في بغداد " المنطقة الخضراء " ؟ أيّ فرصةٍ للمالكيّ الذي فشل في تحقيق الأمن إلى حدٍّ لم يستطع فيه الرئيسُ بوش زيارة بغداد ؟
وأيّ فرصةٍ لعبد العزيز الحكيم ، حتى لو نجح في إطاحةِ نوري المملوكي ؟
الطبخة احترقت بما فيها ، ومَن فيها ...
*
مجموعةٌ أميركية ، هي " مركز دراسات الحقوق الدستورية "  أعدّت ملفّ دعوى جرائم حرب ، في ألمانيا ، ضد وزير الدفاع السابق دونالد رمسفيلد .
ويرى عددٌ من الـمُـدّعين العامّين الأميركيين السابقين  أن الرئيس بوش ، ونائبه دِك شَيني ، يستحقّان الأمر نفسَـه .
*
أمّا عبد العزيز  الحكيم ، وأضرابه ، فإلى الجحيم ، كالعادة ، وكما جرى في سايغون ، يوماً ما .

                             لندن5.12.2006
ــــــــــــــــــ
بعض الأسماء الواردة في المادّة ، باللغة الإنجليزية :
Paul Craig Roberts. Edmund Burke. Joshua Muravchik .James Baker . Colin Powell