شـكراً للشعب الأميركــيّ ! طباعة

سعــدي يوسـف
الخسرانُ الـمُبِـيْـنُ الذي باءَ به الحزبُ الجمهوريّ في الانتخابات الأخيرة ، أنعشَ الآمالَ في أن الكوكب الأرضيّ سيظل مكاناً ممكناً للعيش ، وتحقيقِ العدل ، وتحسينِ ظروف الحياة ، بعد أن حاول جمهوريو البيت الأبيض وضعَ هذا الكوكبِ على حدِّ سيفٍ دائمٍ ، عصبيٍّ ، مُنذِرٍ في كل لحظةٍ بكوارثَ تفوق بفداحتها  ، هيروشيما ، أضعافاً مضاعفةً ( كما حصل في العراق ) ، وبعد أن ضربوا عرضَ الحائطِ بما أنذرَ به العلماءُ الأميركيون أنفسُهم عن الشرورِ المستطيرةِ التي تتهـدّدُ البشرَ بسبب التلوّث وارتفاع درجات الحرارة والاستنفاد الجشعِ للطبيعة ومواردِها ، وبعدَ أن نادَوا بما قبل الداروينية ، ومنعوا تطوّرَ الكيمياء الحيوية ، وأجازوا التعذيبَ والاختطافَ والقتلَ والسجونَ الســرّيّـة ، واستعملوا من الأسلحة ، الـمحرَّمَ ، ومن الرقابة والتنصّت ما لايليق بمجتمعٍ تكوّنَ في الأساس من مهاجرين رفضوا الضيمَ والقهرَ في أوطانهم الأولــى . وربما كانت العودة إلى الكولونيالية الكلاسيكية ( في استعمار العراق مثلاً ) السببَ الأساسَ في هزيمةِ جمهوريي البيت الأبيض المنكَرة .
 نقلت صحيفة " الغارديان " البريطانية وصفاً حياً لمتابعة أهالي نيويورك ، المعركةَ الانتخابية ، ولايةً ولايةً ، ومركزاً انتخابياً بعد مركزٍ ، وبخاصّةٍ بعد أن تعلّقَ الأمرُ بولايتين أخيرتينِ هما مونتانا وفرجينيا . كانت الهتافات تتعالى ، وكؤوسُ " التكيلا " المكسيكيةِ تؤخَذُ دُفعةً واحدةً ، وقبل الوقت المألوف للبدء بالشراب . كان " نفحٌ من الثورة " يهبّ على نيويورك ، بتعبير " الغارديان " . المسألة ، إذاً ، هي أكثرُ خطورةً  من الاختيار بين حزبَينِ . كان الأميركيون ، يؤكدون حرصَهم على ديموقراطيةٍ كانوا فيها روّاداً ، وتعلُّقَهم بقِـيمٍ في الحرية والتحرر والعدل قدّموا على مذبحها الملايينَ منذ الحرب الأهلية . الشعبُ الأميركي ، المحبُّ للعمل ، المبدعُ ، والكريمُ ، كان يريد أن يتمتع بما حقّقه جهدُه  وإبداعُه من وفرةٍ وجمالٍ  ، لا أن يرغَمَ إرغاماً  على الاعترافِ بالخوفِ  هواءً ومتنفَّسـاً ، أو على القبول بسياساتٍ اقتصاديةٍ مكرّسةٍ لمصالح فاحشي الغنى ، حتى صارت الطبقةُ الوسيطةُ ، ذاتُـها ، مهدّدةً ، دعْ عنك الطبقة العاملة ، وشــريحتها الأكثر تعرّضاً للاستغلال ، أعني الأميركيين الســود .
الانتخابات الأخيرة لم تكن نصراً للديمقراطيين ، بقدرِ ما هي هزيمةٌ للجمهوريين .  لكنها بالتأكيد نصرٌ مؤزَّرٌ للشعب الأميركي الذي قـال " لا " بأعلى صوتٍ ممكنٍ .
*
" إنهاءُ الحرب في العراق "  ، كان التعبير المتواتر استعمالاً لدى زعماء الحزب الديمقراطي .
" نريد بديلاً من الخوف " ...
وفي العراق ، نفسه ، ارتياح .ٌ
لقد صار الناس مطمئنّين إلى أن أيام الاحتلال أمستْ معدودةً .
أمّا الفزعُ فقد كان من نصيبِ مَن مهّدوا للاحتلال ، وتعاونوا معه ، وارتضَوا أن يشغلوا مناصبَ تحت جزمته ، وكانوا أدواتِه في قتل أبناء الشعب العراقيّ وبناته ، وتعذيبهم ، وإهانتهم ، والاستيلاء على ممتلكاتهم ، ومصادرة حريتهم وخبزِ يومهم .
شــرعَ هؤلاء يفرّون من السفينة الغارقة .
ومثل ما حدث في ســايغون ، لن يتكفّل العسكريون الأميركيون بحجز مقاعد لهؤلاء الأوباش في الهليكوبترات ، وطائرات النقل العسكرية ( حتى الضخمة منها ) ، فالجنود العائدون إلى أهلهم أولى بهذه المقاعد .
*
شكراً للشعب الأميركي !
شكراً للشعب الأميركي الذي أعادَ إلى العالَمِ كلِّــه ، الثقةَ بنفسه ، من جديدٍ ...

                    لندن 14.11.2006