تأطيرُ المثقفين العراقيين في الخارج استعماريّـاً طباعة

 سعــدي يوســف
لا بدّ للمرء من الشعور بالأســى  ، والرثاء ،  وهو يشهد ، أو يتابع ، الانهيارَ الدائبَ ، لوجه البلد ، ووجهته ، وواجهته .
من ناحيةٍ أساسٍ ، نرى عمليةَ إبادةٍ ، وتمزيقِ أشلاء ، تتصاعدُ في غلوائها  ، وشــراستها ،  وفنون تعذيبها ،  حتى لتفوق عصور البرابرة على مدى التاريخ  . كأن العراقَ أرضُ مقتلةٍ لأبنائه ، وكأن هؤلاء الأبـــــــناءَ منذورون للقتل أصلاً  .
ومن ناحيةٍ أساسٍ أخرى ، نرى العملية السياسية متوقفةً إلاّ في ما يتّصلُ بتلقي الأوامر من الإدارة الأميركية وتــنفيذها ، تنفيذاً يترجّحُ بين الفشل والفشــل الذريع ، بسببٍ من رفض الجسمِ العراقيّ أطروحــــة الاحتلال ، وأهلهـــــا  ،   من " سياسيين "  مرتزقة ، مذعورين من يوم الحساب القريب .
ويتلفّت المرءُ ، عساه يجدُ من يقول قولةَ حقٍّ في ما يجري .
فلا يجد إلاّ أفواهاً  للمثقفين العراقيين ، كُـمِّمَتْ اختياراً ، وإلاّ عيوناً عَمِيَتْ بإرادتها ، وآذاناً  حلّ بها صممٌ ليس مثله من صممٍ .
واقعُ الأمر أن الأميركيين وعملاءهم بدأوا يشترون المثقفين العراقيين منذ زمنٍ طويلٍ سبقَ احتلال البلد . لكن ما أن استتبّ الأمر للمحتلّين ، مؤقتاً ، حتى ركلوا من اشتروهم ، بعد أن ألحقوا بهم  ، وبأبنائهم ، عارَ العمالة والخيانة .
إثرَ ذلك ، أخذ التضليل الإعلامي والثقافي يضعف ، وشرع مثقفون معينون يراجعون موقفهم ، ويرفعون أصواتاً ولو خفيضةً  ، ضد الوضع ، ولم تستطع " المنظمات غير الحكومية " الأسوأ من الحكومــــــة في موالاة الإدارة الإدارة الاستعمارية ،  أن تفعل شيئاً يخفف من حالة الضعف تلك .
إذاً ، لا بدّ من عملٍ !
هكذا أوعزَ مجرمُ بشت آشان ، جلال الطالباني ، إلى مستشاريه ، ومستشاراته أيضاً ، للبدء بحملةٍ مكثفةٍ لشراء المثقفين العراقيين المقيمين في الخارج مجدداً .
وهكذا وجدنا اتحادات وجمعيات " ثقافية " تتشكّل في بلدان عدةٍ كالسويد وألمانيا وهولندا  والمملكة المتحدة  مثلاً من أوربا ،  إلى القارة الأسترالية البعيدة . بدعمٍ وإشرافٍ وتمويل من الممثليات الدبلوماسية للإدارة العميلـة .
ثمّت سؤالٌ يقدِّم نفسه بإلحاحٍ :
إن كانت الحاجة إلى  انخراط المثقف في كيانٍ ما ( جمعية أو اتحاد )  قائمةً وضرورية  ، وإن كان هذا المثقف موالياً الإدارةَ الاستعمارية في العراق ، فلماذا لا ينضمُّ  إلى الجمعيات الثقافية القائمة فعلاً ، في بغداد وأربيل ؟
وإنْ لم يكن موالياً ، فلماذا ينضمّ إلى جمعيةٍ من اختلاق عملاء النظام ؟
لِمَ يخسر حريتَه طوعاً ، وهو الملتجيء  طلباً للحرية ؟
*
لكنّ المسألة أهونُ تماماً من هذا السؤال .
إنها ، ببساطةٍ وأسفٍ ، عمليةُ شــراءٍ .
أمّا النتائج التي نشهد بوادرَها منذ زمنٍ ، فهي ، وبكل البساطة والأسف :
تغييب الثقافة الوطنية ، خدمةً للاستعمار !
المثقفون العراقيون لم يعودوا يكتبون ...
*
وهاهم أولاء مستشارو  مجرم بشت آشان ، يوعزون إلى من اشتروهم بإقامة تشكيل جديدٍ يجمع الجمعيات المزوّرة التي شكّلتْها ممثلياتُ السلطة العميلة ، في اتحادٍ واحدٍ ، على الطريقة الفاشيّة !
هذا الاتحاد المقترح ، والذي يجري النشاطُ بشأنه ، هذه الأيام ،  يرادُ له أن يكون السيف المعلّق ، بكل تهديده ، على الرقاب ، رقابِ المثقفين العراقيين المقيمين في الخارج ، أوّلاً ، حتى لو كان هؤلاء باعوا أنفسهم بالرخيص الرخيص.

                                                           لندن 02.10.2006