الجيش الأميركي يصعِّـد المواجهة مع الميليشيا الشيعية طباعة

 بيتر سيموندز
ترجمة وإعداد: سعدي يوسف
يشكل يوما القتالِ العنيفِ في الديوانية  ، أكثر من علامة على أن الجيش الأميركي  يستعدّ  لمواحهة دموية مع ميليشيا رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر . أمّا الهدف من  أي هجومٍ جديدٍ فإنه يتعدّى جيش المهديّ ، إلى الأحياء الشيعية الفقيرة ، التي تُعتبَر ، في غالبها ، معاديةً للاحتلال الأميركي ،  هذه الأحياء التي تظاهرت بعشرات الآلاف في الرابع من شهر آب ، ضد الحرب الأميركية-الإسرائيلية في لبنان .
اشتباكات الديوانية  ( 180 كيلومتراً ) جنوبيّ بغداد ، اندلعت يوم الأحد ، بعد إلقاء القوات الحكومية ، القبض ، على عدد من أنصار الصدر بدعوى تخطيطهم هجوماً بالقنابل . وحسب مصادر الجيش ، قُتِلَ 23 جندياً ،  و30 مسلّحاً ،  وعدد من المدنيين . اللواء عثمان الغانمي اتهم المسلّحين بأنهم أعدموا ، علناً ،  عدداً من الجنود ، وقد نفى الصدريون هذا الاتهام .
ناصر السعدي ، الناطق باسم كتلة الصدر البرلمانية أخبر النيويورك تايمز أن الجيش هاجم الأحياء المؤيدة لجيش المهدي ، ليلة الأحد ، ملحقاً أضراراً بالبيوت ، ومسبباً مقتل المدنيين . وقد كانت القوات العراقية مدعومة بالجنود البولنديين والطائرات الأميركية التي قصفت بقنابلها موقعاً واحداً في الأقل من مواقع الصدريين . ويقول الجيش إن مقاتلين آخرين انضمّوا إلى جيش المهدي في  قتالٍ استمرّ حتى عصر الإثنين .
وقد أصدرت القيادة العسكرية الأميركية في بغداد بلاغاً أعلنت فيه أن قوات الجيش والشرطة ( العراقية ) أحبطت هجوماً شنّه عدد كبيرٌ من " الإرهابيين "  في ثلاث مناطق من الديوانية . وقد أفاد نقيبٌ في الجيش اسمه فاتك عائد ، للأسوشييتد برَس ،  أن المعارك اندلعت حين شنّ الجنود العراقيون غاراتٍ على الأحياء الجنوبية للمدينة ، بُغيةَ إخراج المسلّحين ، ومصادرة الأسلحة . أحد مسلّحي جيش المهدي قال للنيويورك تايمز ، بصدد القتال : نحن نعرف أنهم إخوتُنا ، لكن الأميركيين يدفعونهم ضدنا .
وبينما يدّعي العسكريون الأميركيون الانتصار ، فإن القثال لم يحسَم  ، حتى بعد أن استدعى جيش المهدي تعزيزاتٍ . ولم يتوقف القتال إلا بعد التوصل إلى هدنة ٍ . حاول الصدر الذي اشترك شخصياً في المفاوضات مع الآمرين المحليين ، النأي بنفسه ، عن الاشتباكات . كما قال  صاحب العامري ، الناطق باسم الصدر في النجف إن القتال اندلع بسبب التصرف الشخصي لعدد من أفراد جيش المهدي .
لكن جهود حركة الصدر في التهوين من شأن ما جرى في الديوانية ، لن تمنع  مواجهةً أوسعَ مــع الجيش الأميركي .
نشرت الصحافة الأميركية سلسلة مقالات ضد الصدر ، متهمةً جيش المهدي بتصعيد الصراع الطائفي في العراق ، وداعيةً  رئيس الوزراء المالكي  إلى الوقوف موقفاً حازماً . في أوائل آب ، بعد المظاهرات الجماهيرية في بغداد ضد  الحرب في لبنان ، صرّح السفير البريطاني السابق في بغداد ،  وليم باتي ، في مذكرةٍ جرى تســريب محتواها بأن " منع جيش المهدي من أن يكون دولة داخل الدولة ،  مثل ما فعل حزب الله في لبنان ، ضرورةٌ لازمةٌ أوّلاً  " .
تتفق ملحوظات باتي مع ما قاله الجنرال ابو زيد : " إن أنت ، لم تفعل ذلك ،  انتهى بك الأمر إلى أن تجد دولة داخل الدولة كما في لبنان " . وأمام لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ الأميركي قال الجنرال نفسه :  : في رأيي أن هناك جماعات في جيش المهدي يقبضون من الحكومة الإيرانية ،  وهم منظمات إرهابية " .
المفارقة أن الصدريين، من بين كل الجماعات الشيعية ،  هم الأقل اعتماداً على المساعدات الإيرانية . الحزب الأقرب إلى الإيرانيين هو المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق الذي ساند  ، منذ البداية ، الاحتلال الأميركي بموافقة ضمنية من طهران . هذا الحزب هو عماد حكومة المالكي .
في مقال للواشنطن بوست بعنوان "  ميليشيا الصدر ومذابح الشوارع "  اتهامٌ لجيش المهدي بالقـتل المتعمَّد للسنّة . وقد أخبر العقيد الأميركي مارك ميدوز ، الصحيفةَ ،  " ليس لديّ شكٌّ في أنهم يعقدون محاكمات ويعدمون الناس . إن جيش المهدي قد يكون الميليشيا الأكبر والأكثر عدوانيةً في البلد ... إنهم منظمة إرهابية . إنهم يُرهبون الناس " .
قبيل صدامات الديوانية ، نشرت مجلة " تايم "  مقالاً دعت فيه إلى هجومٍ أميركيّ منسّق على الميليشيات العراقية ، متهمةً القوات " العراقية " بالتخاذل .
من الواضح أن الهجمات المسنودة من جانب الولايات المتحدة ، في الديوانية ، هي تمرين يسبق هجومات أخرى على حركة الصدريين ، وبالذات على مدينة الصدر في بغداد . والواقع أن هذه المناطق هي شبه محرمة على الأميركيين ، منذ أن خاض جيش المهدي اشتباكاتٍ مع الأميركيين سنة2004 في النجف وكربلاء .
حتى في العمليات الجارية الآن لإحكام السيطرة على بغداد ، تجنّب الأميركيون مدينة الصدر .
أي هجومٍ على جيش المهدي سوف يسبّب أزمةً ،  على الفور ،  لحكومة المالكي المعتمدة على ائتلافٍ  من الأحزاب الشيعية الأصولية . للصدريين 30 نائباً برلمانياً وخمسة وزراء . والأكثر من ذلك أن مساندة الصدريين مكّنت المالكي من كبح الغضب لدى الشيعة الفقراء على إخفاقه في إنهاء الاحتلال الأميركي وتحسين ظروف المعيشة .
كما أن، الهجوم على مواقع الصدريين سوف يعرِّض القوات الحكومية الهشة إلى التفكك . فالجنود الشيعة ، وقد جاؤوا من الميليشيات ، سوف يرفضون القتال ضد جيش المهدي . وقد لاحظت صحيفة لوس أنجلس تايمز يوم الثلاثاء أن مائة جندي عراقي من الكتيبة 550 المتمركزة جنوبيّ شرقيّ ميسان رفضوا الأسبوع الماضي التموضع في بغداد . رفضُ الجنودِ الشيعة ، الذهاب ، كان مصدر انزعاج ، لأن الجيش الأميركي كان ينظر إلى هذه الوحدة بأنها  نخبة القوات " العراقية " .
يحاول مقتدى الصدر المناورة والموازنة ، منذ اشتباكات 2004 .
لكن مناوراته لن تمنع الهجوم الشامل من جانب القوات الأميركية .
الولايات المتحدة ، وهي تغرق ، تدريجاً ، في المستنقع ، قد تلجأ إلى أكثر الإجراءات يأساً .
الإدارة تخشى أن تكون الأحياء الشيعية الفقيرة بؤرةً لاندلاع حركة راديكالية  ضد الاحتلال الأميركي للعراق ، وسياساتها العسكرية في المنطقة .
ولسوف يكون الخطر أشدّ عليها ، وهي تُصَعِّــد المواجهةَ مع إيران .
 هذه الاعتبارات هي التي تدفع العسكريين الأميركيين  إلى عمليات دموية طائشة ، ضد جيش المهدي ،  مهما كانت النتائج .

                            31 آب 2006