كتابة : جو كاي ترجمة وإعداد : سعدي يوسف أحبط السوريون يوم الثلاثاء 12 أيلول هجوماً على السفارة الأميركية بدمشق . قُتِلَ ثلاثةٌ من المهاجمين بالرصاص ، وقُبِضَ على الرابع . قُتِلَ واحدٌ من الحراس السوريين ، وجُرِح اثنان ، إلى جانب عشرة مدنيين ودبلوماسيّ صينيّ . وقد أشار السوريون منذ البداية إلى جماعة ليست معروفة تدعى " جُند الشام " ، وهي منظمة يقال إن لها صلةً بـ " القاعدة " ، وأسامة بن لادن . في قراءة حادث مثل هذا الهجوم الفاشل على سفارة الولايات المتحدة في دمشق ، من الضروري أوّلاً ، السؤالُ : مَن المستفيد ؟ - أو في الحال الراهن - : مَن كان يمكن أن يستفيد ؟ مَن يمكن أن تكون له مصلحةٌ في مهاجمة السفارة الأميركية ؟ لقد فشل الهجوم بسبب تدخّل القوات السورية ، إضافةً إلى الطبيعـة البدائية للـمتفجرات التي اســتخدمها المهاجمون . لو نجح الهجوم فإن نتائجه كانت ستستخدَم في زيادة الضغط على سوريا من جانب حكومة الولايات المتحدة . وهذا ما سينتفع به أناسٌ في الإدارة الأميركية يدعون إلى أعمالٍ عسكرية ضد سوريا و/ أو إيران . في مقال بمجلة " تايم " نُشر أمس ، لاحظ سكوت ماكليود أن النظام السوري بالرغم من صدامه مع الولايات المتحدة ، إلاّ أنه ليس من مصلحته أن يُنَفّذَ مثل هذا الهجوم ، الذي سيهيئ ذريعةً كبرى لضربة عسكرية أميركية ضد سوريا . العلاقات متوترة منذ سنين ، وقد استدعت الولايات المتحدة سفيرها في دمشق بعد مقتل رفيق الحريري في شباط 2005 ، متّهمةً دمشق بالتورّط في الأمر ، بينما تحيط الشكوك بقضية مقتل الحريري ، وليس من الممكن استبعاد تورّط إسرائيل أو الولايات المتحدة أيضاً . يبدو الاحتمال قليلاً في أن الهجوم على السفارة كان مجرد فعلٍ من جانب أفرادٍ مدفوعين فقط بكرههم الولايات المتحدة والسياسة الأميركية . بالطبع لا يمكن اسـتبعاد هذا ، نهائياً ، كاحتمالٍ ، إذ أنه من طبيـعة مـنظــمات مثل " جُند الشام " ، مخترَقةٍ بكثافة ٍ ، وقابلة تماماً لأن تستخدمها هذه الجهة الأجنبية أو تلك . لأجهزة الاستخبارات الأميركية والإسرائيلية ، معاً ، تاريخ طويل في استخدام هذه الجماعات . تأسست " جند الشام " بالتحالف مع أبو مصعب الزرقاوي بتمويل من أسامة بن لادن في أفغانستان ، في العام 1999 . في ذلك الوقت كانت الولايات المتحدة لا تزال تعقد صفقات مع الطالبان والأصوليين المسلمين في أفغانستان كجزء من جهودها في تأمين سلامة أنبوب الغاز عبر أفغانستان . منظمة " جند الشام " ، منذ تأسيسها ، أبدت اهتماماً قليلاً بالولايات المتحدة ، مكرِّسةً هجماتها ضد الحكومة السورية بسبب توجهها العلماني . كما استهدفت حليف سوريا ، حزب الله . الآن حدث هجوم في سوريا ، نظّمته الجهاتُ المريبةُ نفسُها ذات العلاقة بـ" بن لادن " . والهجوم يأتي في وقتٍ تزداد فيه الأزمة داخل المؤسسة السياسية الأميركية . احتلال العراق في أزمة . ويدعو المعلِّقون السياسيون الديموقراطيون والجمهوريون ، معاً ، إلى استخدام مزيد من القوات الأميركية للتعامل مع ميليشيا الشيعة في الجنوب ، والمنظمات السنّية في الغرب العراقي . والغزو الإسرائيلي للبنان كان ورطـةً ، ولم ينجح إلاّ في تقوية حزب الله ، وإعلاء شأنه ، وتقوية دور إيران في المنطقة . خلافاتٌ كبرى بدأت تظهر على السطح بين أوربا والولايات المتحدة بصدد السياسة الإيرانية . أوربا تريد أن تتفاهم بطريقتها مع إيران ، كما بدأ الناس في الولايات المتحدة يشككون في " الحرب على الإرهاب " ويرفضونها . هنالك قسمٌ هامٌّ من النخبة الحاكمة في الولايات المتحدة ، يرى " الحل " الوحيد لهذه المشكلات ، في تصعيدٍ كبيرٍ للعدوان الأميركي – وبضمن ذلك الهجوم على إيران وسوريا ، والعسكرة الكاملة للمجتمع الأميركي . ولتحقيق هذا ، يكون الهجوم على السفارة الأميركية بدمشق ، ممتازاً تماماً . لا أعني هنا ، أن مهاجِمي يوم الثلاثاء كانوا هم ، بأنفسهم ، يعملون لصالح أقسامٍ من الاستخبارات الأميركية . ربما كانوا أفراداً دفعهم كره التدخل الأميركي في الشرق الأوسط ، ممزوجاً بالإيديولوجيا الرجعية للأصولية . أعمالٌ كهذه تنظَّم بصورة عرَضية ، والأفرادُ المتورطون فيها مباشرةً ، ليست لديهم فكرةٌ عمّن استخدمَهم . الطابع المرتبك جداً للعملية - التي أخفقت حتى في اختراق أسوار السفارة - يوحي بأن المتورطين مباشرة في التخطيط كانوا غير ذوي خبرة . سواءٌ هيّـأ الحادث ذريعةً للهجوم على سوريا ، حتى في إخفاقه ، أو لم يهيّْْ ، فإنه سمح للإدارة أن تظل في دعواها حول استمرار الحرب ضد الإرهاب ، وكذلك في تصعيد الضغط على سوريا . في ما عدا الملحوظات التي لا بدّ منها ، في امتداح الجهد السوري في إحباط الهجوم ، فإن النغمة الرئيسة في تعليقات الإدارة كانت من قَبيل : " أوقفوا إيواء المجموعات الإرهابية ، توقّفوا عن كونكم عاملاً في تشجيع الإرهاب " كما قال الناطق الرسمي في البيت الأبيض توني سنــو . ، أو " العمل معنا في مكافحة الإرهاب ، مثل ما فعلت ليبيا ، هذه هي الخطوة التالية لسوريا " . قالت وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس إن الهجمات تعني أن الإرهابيين لا يزالون قادرين على مهاجمة البعثات الدبلوماسية ، بالرغم من " الجهد الخارق " لمنعهم . ليس بالإمكان استبعادُ إمكانات أخرى للتورّط الأميركي ، وهي كثيرة . لكن المرء يظل في حدود التكهّن ، في حالاتٍ كهذه . لندن 13.9.2006
|