قـتْلُ الفلسطينيين طباعة

سـعدي يوســف
الأحياءُ الفقيرةُ ، التي يقطنُها الفلسطينيون في بغداد ، مثل حيّ  البلديات ،  لا يميِّزُها عن أحياء فقراء بغداد ، إلاّ  تلك الكوفيّــة يعتمرُها من جاوزوا شبابهم ، ويتباهَونَ بها صامتين ... ، وإلاّ كونها مجموعةَ عمائرَ ، لا بيوتاً متناثرةً .
إنها نفْحٌ من القرية الأولى  ، قرية ما قبل 1948 في فلسطين .
أتذكّـرُ البصرة في تلك الأيام ، الأيام التي تلتْ هجرة الفلسطينيين الكبرى .  كنا نسكنُ منزلاً عتيقاً في البصرة القديمة ، في ما كان يدعى " سوق الدجاج " . مالك العقار يهوديٌّ مُسِنٌّ ، يأتينا نهاية كل شهر ليأخذ الإيجار الزهيد . كان في منتهى الخُلقِ والوداعة . أحياناً أراه يدخل الكنيسَ ، بمواجهة بيتنا . أعتقدُ أن الكنيس قديمٌ جداً ، ولربما أوحت إليّ عتمتُه الدائمة بهذا الاستنتاج .
في أحد الأيام جاءت عائلة فلسطينيةٌ لتسكن بيت شخصٍ يهوديٍّ  غادرَ البصرةَ إلى فلسطين ، حيث كانت إسرائيل تتأسس ، وتستقدمُ سكّــاناً .
استقبلْـنا العائلة الفلسطينية ، كما يستقبلُ الجارُ ،  جارَه الجديدَ  .
عرفتُ في ما بعدُ أن خالد علي مصطفى ، الشاعر ،  كان ابنَ تلك العائلة التي جاورتْنا .
إذاً ، الفلسطينيون أقاموا بيننا  حوالي ستين عاماً .
ألا تشكِّلُ الأعوامُ الستّــون أساساً لعلاقة ؟
منطلَقاً لحقوقٍ ؟
ألا تشكِّـلُ لُحْـمةً من نوعٍ ما ، عميقٍ ، ومُشَـرِّفٍ ؟
جيش التحرير الفلسطيني بدأ تأسيسُه ببغداد بعد عَقدٍ من السنوات ، أيامَ عبد الكريم قاسم .
*
الأخبار تتوالى ...
الفلسطينيون يُستفرَدون  .
يُقتَلونَ ، ويُختَطَفونَ .
يُمَـثَّلُ بجثثهم ، ويُلقَونَ في المزابل .
شاتيلا ؟
*
الفلسطينيون يُقتَلون ، في شاطيء غزّة هاشمٍ  .
يقتلُهم البحّارةُ الإسرائيليون .
*
والفلسطينيون يُقتَلون في  " البلديّات " ببغداد .
يقتلُهم عملاءُ اسرائيل والولايات المتحدة الذينَ نُصِّـبوا حكّـاماً بالنيابة  .
شاتيلا في بغداد ؟
*
نستعيد الآن كيف حمانا الفلسطينيون ، يومَ  شُرِّدْنا ،  وكيف وهبونا  الصدارةَ في خيمتهم . كيف ساروا بنا في موكبهم المناضل ، من بلدٍ إلى بلدٍ ، يجرجروننا  وأطفالَنا ، كما يجرجرونَ أنفسَهم وأطفالَهم عبر القرى الظالمة ...
شاتيلا في بغداد ؟
أيّ زمانٍ هذا ؟
 
                                             لندن 29.06.06