ســعدي يوســف أنباءُ البصرةِ تَبلـغُـني ، فإنْ لم تبلغْـني سعيتُ إليها ، هكذا كان شأني منذ غادرتُ مدينةَ النهرِ والبحرِ قبل أكثرَ من ثلاثين عاماً . تكويني الأولُ هي ، ونظرةُ الدهشةِ الدائمة . وفي مُعظَمِ نصوصي الشعرية جذورٌ رطبةٌ من المكان الأول . جذورٌ تَخفى في الغالب خفاءَ الهواء . أقول هذا لأنني أفتقدُ المدينةَ في ما يرِدُ من أنباء . وأكاد أتساءلُ مع نفسي : هل بقي من البصرة شــيءٌ ؟ للمكان قوّةُ الخَلقِ . الأمرُ هكذا في الفنّ . وعلاقةُ الفنان بالمكان هي علاقةٌ عجيبةٌ ؛ فيها استحواذٌ وفناءٌ . هل بقي من البصرة شــيءٌ ؟ وكيف أعود إليها ، ولو فنّـيّـاً ، الآنَ ؟ ثمّتَ كنوزُ الطفولةِ والفتوّةِ الأولى ، كنوزُ المشهدِ الطبيعي ، ووجوهِ البشــر . تلك هي البصرةُ التي أعرفُها ، وأُهديها إلى الناس في مختلف أرجاء العالَم . أقولُ : تلك مدينتي ! اليومَ تنطفيء قناديلُ البصرةِ في عينيّ ، قنديلاً إثْـرَ آخرَ . هذا القتلُ كلُّــه … هذا الظلامُ الـمُطْـبِقُ كله … هذا الذبحُ ، الشاملُ بني البصرةِ ، والتاريخَ ، والجيرةَ ، والثقافةَ … احتلالاتٌ مكثّـفةٌ وإطباقٌ على الأعناق . هل بقيَ من البصرةِ شــيءٌ ؟ ويأتي السؤالُ : هل بقي من ســومرَ شــيءٌ ؟ هدمُ الحضارةِ ســجيّـةٌ وشــيمةٌ لدى البرابرة . هذا الهدمُ هو المتسيدُ في البصرة الآن . البصرةُ لم تَعُدْ لأهلها . لندن 16/5/2006
|