كتابة : جون بِــلْجَــر ترجمة وإعداد: سـعدي يوسـف لأكثر من نصف قرنٍ ، ظلّت بريطانيا والولايات المتحدة تهددان إيران . وفي 1953 أطاحت المخابرات المركزية الـ" CIA " ، والـ" MI6 "البريطانية ، بالحكومة الديموقراطية لمحمد مصدّق الزعيم الوطني المرموق الذي آمَنَ بأن بترول إيران هو لإيران . وهكذا نُصِّبَ الشاه الفاســد ، وأُقيمت أبشع دولة بوليسية في العصر الحديث من خلال وحشٍ هو جهاز السافاك . ثورة 1979 الإسلامية كانت محتومةً . هذه الثورة ليست ذات سيطرة حديدية ، إذ أدّى الضغطُ الشعبي وحِــراكُ النخبةِ إلى انفتاح إيران على العالم الخارجي ، بالرغم من تعرُّضها إلى حرب صدام حسين الذي حظيَ بتشجيع
الولايات المتحدة وبريطانيا ومساندتهما . في الوقت نفسه عاشت إيران تحت تهديدٍ حقيقيّ من هجومٍ إسرائيلي ، ربما بالسلاح النووي ، وهذا ما سكتتْ عنه " المجموعة الدولية " . قبل وقتٍ قصيرٍ ، قال مؤرخٌ عسكريّ إسرائيليّ بارز ، هو مارتن فان كريفلد Martin van Creveld: واضحٌ أننا لا نريد أن تمتلك إيران أسلحةً نوويةً ، ولستُ أعرف إن كانوا يطوِّرونها ، لكنهم سيكونون حمقى إنْ لم يطوِّروها . ليس من المستغرَب أن نظام طهران استوعبَ درسَ كوريا الشمالية ، ذات السلاح النووي ، التي نجحت في إبعاد الوحش الأميركي المفترِس عنها ، بدون أن تطلقَ رصاصةً واحدة. في فترة الحرب الباردة كانت حجّة الاستراتيجيين حول " الرادع النووي " البريطاني تستند إلى التبرير نفســه القائل بضرورة امتلاك بريطانيا السلاح النووي لأن الروس قادمون . لكننا نعرف من الوثائق التي لم تعُدْ سريةً الآن أن ذلك كان محض اختلاقٍ ، بالضد من مشروع الهجوم الأميركي على إيران ، الحقيقيّ فعلاً ، والماثل تماماً . أمّــا السبب الفعليّ للهجوم فهو اعتزام إيران في شهر آذار ( مارس ) القادم ، التحولَ من البترودولار إلى اليورو دولار . هذه الخطوة لها تأثيرٌ كبيرٌ على الدولار الآن ، وتأثيرٌ مدمَّــرٌ على المدى البعيد . الدولار في الوقت الحاضر ، ورقٌ لا قيمة له ، يحمل دَيناً قومياً تجاوزَ ثمانية ترليونات ، وعجزاً تجارياً تجاوزَ ستمائة بليون دولار . ويقول الاقتصادي جوزف ستِـغلِز الحائز على جائزة نوبل إن كُلفة المغامرة العراقية وحدها قد تبلغ ترليونَينِ اثنينِ . أمّـا الامبراطورية العسكرية الأميركية ، مع حروبها وقواعدها السبعمائة ، ومكائدها الدائمة ، فهي مموَّلة من جانب دائنين في آسيا ، الصين أساساً . إن ما يخشاه نظام بوش ليس المطامح النووية الإيرانية ، لكن تأثير أكبر رابع دولة منتجة ومصدَّرة للبترول في كسر احتكار الدولار . هل ستبدأُ بنوك العالم المركزية تبدل احتياطـيَّها من الدولار إلى اليورو ؟ كان صدام حسين يهدد بذلك قبل الهجوم عليه . البنتاغون يريد احتلال خوزستان حيث تسعون بالمائة من البترول الإيراني . حين تسيطر الولايات المتحدة على بترول خوزستان والعراق ، والسعودية بالنيابة ، فإنها ستحقق ما سمّـاه ريتشارد نيكسون " الجائزة العظمى بين الجوائز كلها " . في السنة الماضية زوّدَ البنتاغون إسرائيل خمسمائة قنبلة لـ " تدمير تحصينات تحت الأرض " . هل سيستخدمها الإسرائيليون ضد إيران المستميتة ؟ ترى استراتيجية بوش النووية في 2002 إمكان " هجوم استباقي " تستخدَم فيه أسلحةٌ نوويةٌ مخفّضة الفاعلية Low-yield nuclear weapons . هل سيستخدمها عسكريو واشنطن ، ولو ليقولوا لنا فقط إنهم قادرون ، بالرغم من مشكلتهم العراقية ، على خوض أكثر من حرب في أكثر من ساحة ، والانتصار أيضاً ؟ لندن 10/2/2006
|