في ثـقــافة التــحريــر الشأنُ الثـقـافيّ في بـلدٍ محتـلٍّ طباعة

ســـعدي يوســـف
قد يبدو الكلام في الشأن الثقافي ، ترَفاً ما بَعده ترَفٌ ، حينَ البلادُ في متاهةٍ سياسيةٍ شائكةٍ ، لا دليلَ واضحاً لســالِكِها غـيرُ تَـسَــيُّـدِ الاحتلال ، وتَـسَـيُّبِ أداءِ مَن نصَّــبَهم الاحتلال (  أمرٌ طبيعيّ ) .
وفي غيابِ حدٍّ أدنى من الإجماع الوطني حتى في أبسط أشكاله ( نتيجةَ جهود المستعمِـر المتواصلة ) ، تكون مسألة إعادة البناء الثقافي محدودةً تماماً  ، ومحدَّدةً  بالإطار النظريّ  فقط .
ضبّـاطُ جيوش الاحتلال ، وأفرادُ ارتباطِهم ، يشرفون على كل صغيرةٍ وكبيرةٍ ، وتُـلْـتمَسُ موافقاتُهم في أيّ نشاطٍ عامٍّ  ، مهما كان متواضعاً .

الصحفُ مراقَــبةٌ بخطوطٍ حُـمرٍ تزدادُ مع الزمن  ، والخطرُ الداهمُ يهدد  أمانَ بل حياةَ كلِ من يجرؤ على مـخالَـفةِ قواعــدِ السلوكِ المفروضة من الإدارة الاستعمارية .
وفي التدهور العامّ لمستوى المعيشة ،  والخدماتِ ،  وطُـمأنينةِ الناسِ  ، والتعليمِ ، من الأساس إلى الجامعة ، تنتفي أيّ أرضيةٍ يمكنُ أن نبني عليها ثقافياً .
والثقافةُ ( وهذا معروفٌ حدَّ الابتذال ) ليست قُطوفَ قصائدَ وأقاصيصَ ومقالاتٍ وألوانٍ متناثرةٍ مع الريح .
الثقافةُ هي مجموعُ الجهد الـماديّ والمعنويّ لِـبِـنْـيةِ مجموعةٍ بشريةٍ متماسكةٍ ذاتِ كيانٍ .
في شــروطٍ كهذه التي نحن فيها  ، ستكون الأولويات مختلفةً ، شـديدةَ التواضُع  ، غير آنيّـةِ الأثر .
وفي اعتقادي أن إدامة الضمير الوطني هي المنطلَق الأول .
كيف نساعدُ في هذه العملية ؟
يمكن لنا  ، في البداية ، كي نحرص على سلامة خطواتِـنا اللاحقة ، العملُ على فكِّ أي ارتباطٍ بين مسعانا الثقافي والإدارةِ الاستعماريةِ ، وممثليها المـحليين .
إقامة تجمّعاتنا الثقافية  ، في أبسط أشكالها ،  وحتى في محدوديّـتِـها  ، مستقلةً تماماً .
مقاومة أي مسعى استعماريّ لبناء كياناتٍ  للمثقفين  ، مركزيةٍ ، مسيطَـرٍ عليها ، ومموّلةٍ من الأطراف الاستعمارية .
استعادة ميراثنا الثقافي الوطني  ، وتقديمه إلى الواجهة ، بعد أن خَـبا ، وأُهِـيلَ عليه التراب الظالِــمُ ، في ظروف الاستبداد والاحتلال .
إحياء الأشكال العريقة في التراث الشعبي ، وتحديثُ وسائلِ اتّـصالها .
فتح خطوط اتّـصالٍ حرّةٍ ، جادّةٍ ، مع الحركات والهيئات الثقافية ، التي تناهض الاستعمارَ ، في مختلف أرجاء العالم .
*
ليس بمقدوري ، ولا في مطمحي ، وضعُ برنامجِ عملٍ ثقافيّ وطنيّ ، فالـمَـهَـمّـةُ أثقلُ من أن ينهضَ بها فردٌ .
مَـطْـمَحي كلُّـه ، أن أساعدَ في فتحِ بابٍ …

                                                                 لندن  9/6/2005