الطريق إلى الخراب العجيب طباعة

تحمل إحدى رواياتِ جراهام غرين المبكِّــرة عنوانَ Brighton Rock  ، وللوهلة الأولى يتراءى للمرء أن العنوان باللغة العربية هو " صخرة برايتن "  ، لكنك ستعرف بعد أن تُـمْـضي شوطاً في القراءة  أن صخرة برايتن هـي نوعٌ من الحلوى اليابسة التي عليك أن تقضمها حتى النهاية  إن بدأتَ  ، وهكذا كان على " بطل " الرواية الذي ارتكب جريمةً أولى أن يمضي في سلسلةٍ من الجرائم  لن تتوقفَ إلاّ بعد أن ينتهي هو فعليّـاً .
معروفٌ أن برايتن منتجعٌ بحريٌّ شــهير في المملكة المتحدة  ، ومعروفٌ أيضاً أن لكل منتجعٍ فنادقه ومقاصفه.
أتذكّــرُ ، هنا ، أصحابنا " الفندقـيّـينَ " ، الذين نظّــموا  ، مـمَـوَّلينَ ، مأمورينَ ، اجتماعينِ  فـي

فندقين لندنيينِ ، هما :  الهيلتون متروبوليتان ، ونوفوتيل ، قُـبَـيلَ احتلال العراق ، بُـغْـيةَ تلفيق غطاءٍ محليٍّ لعملية الإحتلال الوشيكة آنذاك  ، وإنْ لم تكن لهذا التلفيق حتى قيمةُ ورقةِ التين ، بالمعايير السياسية الحقيقية .
تُـرى ، كيف يرى أصحابُـنا " الفندقيّـون" الأمورَ الآن؟
ألـم يقتنعوا حتى اليوم بأن مسار الأمور لن تقتنع بجدواه دجاجةٌ؟
ألا يشعرون بفداحة ما ارتكبوه حتى بحقّ أنفسهم في الأقلّ؟
أمْ أنهم سيمضون ماضغين صخرةَ برايتن حتى النهاية المرة؟
أتساءلُ هكذا ، لأنّ المحتلين ذواتهم صاروا يتساءلون عن إمكانٍ ما  لمعالجة الورطة التاريخية التي سُـمِّـروا إلى خشبتها ، بعد أن سمعوا نصيحةَ " الفندقيينَ " القائلة بأن الشعب العراقي سوف يستقبل جيوش الإحتلال بالورود.
مؤلـمٌ أن تنتفع حفنةٌ من " الفندقيينَ " بحفنةٍ من الدولارات ، بينما يُـسحَـقُ الشعبُ بالجزمة والفاقة .
مؤلم أن تنهار البنية الإجتماعية/ الإقتصادية / السياسية ، هذا الإنهيارَ الشنيعَ ، بينما يتسلّـى " الفندقيون" ، ويريدون أن يتسلّـى الناس أيضاً  ، بألاعيب بريمر الثالث ، ملك العراق ، ألاعيبِ: مجلس المحكومين ، وأخيراً ،
مجلس الـمُـعِـيْـنِـيْـنَ ( سُـمِّـيَ مجلس وزراء ).
ما معنى مجلس وزراء بلا دولة؟
ما معنى وزير خارجية آنَ لا كيان ؟
وماذا تُرى بحر العلوم الإبن فاعلاً بوزارة النفط ؟ الحقول تحت سيطرة قوات الإحتلال منذ الأيام الأولى ، والأميركيون يتولّـون بيع النفط في الأسواق العالمية ، والعائدات تُـوْدَعُ في مصرفٍ أميركيّ ...
ولْـيُـقَـسْ ما لم يُـقَـلْ  كما يقول الـنُّـحاة .
سيأتينا جنودٌ جددٌ ، من دولٍ جديدةٍ.
ستدفع الدولُ الجديدة نفقاتِ جنودها الذين يحتلّـون أرضنا .
أمّـا  نحن ، فقد بدأنا ندفع من دمنا ...
وسنظلّ ندفع ، مرغمينَ ، ماضينَ في الطريق إلى الخراب العجيب ؛
ماضغينَ " صخرة برايتن " حتى النهاية .
                                                                                     لندن 6/9 /2003

اخر تحديث الثلاثاء, 16 مارس/آذار 2010 11:40