الجهادُ في سبيل الّلات ... طباعة

سعدي يوسف

في العام 1999 ، حلَلْتُ ، مصادَفةً ( لَرُبَّ مصادفةٍ خيرٌ من ميعادٍ ! ) ، في العاصمة الإمبراطورية ، لندن ، وفي العام نفسِه ، كان لصحيفة " القدس العربي " ، أيّام أمجد ناصر ، لقاءٌ واسعٌ معي ، تناولَ أموراً شتّى ، من بينها الشأنُ العراقيّ.

والحقُّ أن ذلك اللقاءَ  ، حظِيَ باهتمامٍ ، وبخاصّةٍ من لَدُنِ عراقيّين مديدي الإقامةِ في لندن  ، ومن بينِهم أصدقاءُ قدامى.

في تلك الأيامِ ، كان الحديثُ عن العراقِ وشجونِه بضاعةَ المتبضِّعين ، لكني لستُ من بين هؤلاء ، ولهذا كان ما قلتُه في الصحيفةِ موضعَ أخذٍ ورَدٍّ ، بل موضعَ رَدٍّ فقط ، والسببُ في ذلك أنني دعوتُ إلى مُصالَحةٍ وطنيّةٍ  تحفظُ البلادَ وأهلَها.

كنتُ أجهلُ أن الجسمَ الأكبرَ من المثقفين العراقيّن في العاصمة البريطانية كان مشترىً . كنتُ أجهلُ أن أصدقائي القدامى الذين بدأوا يشتمونني على دعوتي إلى المصالحة الوطنية ، كانوا على قائمة المرتَّبات Payroll لدى دوائر المخابرات المختلفة. قالوا عني الكثيرَ من كلامٍ بذيءٍ  ، أقَلُّهُ أنني أخدمُ صدّام حسين !

لا أدري ما  يقولُه  أولئك ، الآن ، بعد أن أعانوا المستعمِر ، ويسّروا له  احتلالَ العراقِ ودمارَه الكامل .

*

الآنَ ، وفي حزيران 2015 ، وفي عاصمة الإمبراطورية ، نفسِها ، أدعو إلى : مصالحةٍ وطنيّة .

*

" وإنْ طائفتانِ من المؤمنين اقتتلوا فأصلِحوا بينهما ، فإنْ بغتْ إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيءَ إلى أمرِ الله ، فإنْ فاءتْ فأصلِحوا بينهما بالعدلِ وأقسِطوا ، إن الله يحبُّ الـمُقسِطين "  - سورة الحُجُرات .

*

يُسْقِمُني ، هذه الأيامَ ، طبلُ الحربِ ، الذي لا يهدأُ  ، كأن شعب العراقِ المسكين منذورٌ للقتل والقتال :

كُتِبَ القتلُ والقتالُ علينا وعلى الغانياتِ جَرُّ الذيولِ !

ومن المؤلمِ أن الطبلَ الأعلى صوتاً يأتي ممّن كُلِّفوا  صالحَ المسْلمين .

هكذا جاءتْ فتوى  الجهادِ الكِفائيّ .

الجهاد الكفائي ضد الطائفة الإخرى .

لكن مَن أصدرَ  فتوى الجهاد الكفائي ضد طائفةٍ من المؤمنين ، كان أصدرَ فتوى بعدم التعرّضِ لجيشٍ من غيرِ المسلمين احتلَّ  بلداً من ديار الإسلام في العام 2003 !

بل أن هذا " المرجِع " أفتى قبل يومين بجواز إفطارِ مَن يقاتلون الطائفةَ المسْلمةَ الأخرى ...

إنه الجهادُ في سبيل اللات

لا الجهادُ في سبيل الله  !

*

الآن :

أنا صامتٌ

صابرٌ

أرتدي سترةً واقيةً من السِهامِ !

 

لندن 18.06.2015

اخر تحديث الخميس, 28 نونبر/تشرين ثان 2019 14:01