ألا مِـن مِــرآةٍ طباعة

بريطانيون ( ذوو أصلٍ عراقيّ ) ، يحبون الكتابة باللغة العربية  ، ربما لأنهم لا يحسنون الكتابة بالإنجليزية  ، لغة بلادهم ، المملكة المتحدة  ، التي أقسموا  لها ، ولجلالة ملكتها إليزابث الثانية ، يمينَ الولاء ؛ الأمرُ ليس معيباً إلى هذا الحدّ ، فالأميركيون ، مثلاً ، يكتبون باللغة الإنجليزية ، لا بإحدى لغات الهنود الحمر ، كما أن بين الأميركيين من يكتبون بالإسبانية أو الصينية ...إلخ.
أقول هذا ، مع أني لو لم أستطع أن أقرأ وأكتب بلغة بلادي ، لسمّــاني الناسُ ، عن حقٍّ ، أمّــيّــاً .
لكنّ ثمّت من يردد : أمّـيٌّ مخلصٌ خيرٌ من مثقفٍ هدّامٍ ، وأنا أحمدُ لهؤلاء البريطانيين ذوي الأصل العراقي إخلاصَهم ، وإنْ لم أحمد لهم  أمّــيّـتَـهم ، شأني في هذا شأن الناس .

لنتجاوزْ ، أمرَ اللغة ، فهي قدرةٌ ومهارةٌ وتكوين ، ولْـندخلْ باباً آخر :
لِـمَ لا يكتب هؤلاء عن بلادهم ، المملكة المتحدة ، إيجاباً أو سلباً ؟
لِـمَ لا يتحدثون عن مفاخرها وثقافتها وجيوشها وتاريخها العريق العريض وحاضرها الزاهي ؟
لِـمَ لا يقولون فيها ، ولو باللغة العربية ، كلمةَ حقٍّ ، بينما لايكلّـون ولا يملّــون ، في الحديث عن بلدٍ آخرَ ... ناءٍ  ، مشتومٍ ، هو العراق؟
يا لَـفتنة اللغة !
إنها طاغيةٌ إلى حدٍّ تُنسي فيه المرءَ بلاده ...
لكنّ للناس حقّ التعبير المطلق عن آرائهم ، ســواءٌ ما اتصلَ منها بهذا البلد  أم لم يتّــصلْ  ، والناسُ – كما يقال – سواسيةٌ ( كأسنان المشط أو سمك القرش ) ؛ لا أدري لذِكر سمكِ القرش هنا سبباً ، إلاّ أني أحبّ أن أستطرد قليلاً هنا ، لأقول إن سمك القرش يثيره الدمُ المسفوحُ ويجذبه  ، حتى لو استافَـه عن بُـعدٍ ...
الغريب في الأمر أن مَـن عنيتُهم تدفقوا مقالةً وبلاغةً ( بغير لغة بلادهم ) حين تشمّموا الروائحَ البعيدة لحرب الخليج الثالثة ، حتى قبل أن تندلع !
وبعد أن أعلن الرئيس الأميركي جورج بوش انتهاء العمليات الحربية ، أسرعَ هؤلاء بالطائرات الأميركية إلى العراق.
لكنهم لم يلتحقوا بجيش بلادهم ، الجيش البريطاني ، بل تعاقدوا  مع الجيش الأميركي بصفة متعاونين مترجِـمين.
ربما لأن البصرة ( حيث الجيشُ البريطاني ) مدينةٌ موبوءةٌ ، رطبةٌ ، شديدة القيظ ...
وقد يكون السبب أن الجيش البريطاني لا يدفع كالأميركيين .
لقد فضّـلَ هؤلاء أن يكونوا مرتزقةً .
لا أدري ما حُـكْـمُ القوانين البريطانية في مسألة المرتزقة  ، وأعتقدُ  أن أصحابنا لا يدرون أيضاً ، فهم يجهلون لغة بلادهم ...
تُرى هل يطْبِقُ الجهلُ حتى يُنسيَ المرءَ وجهه؟
ألا من مرآةٍ؟  

اخر تحديث الثلاثاء, 16 مارس/آذار 2010 11:40