كتبتُ كثيراً عن بني اللقيطةِ |
لو كنتُ من مازنٍ لم يستبحْ إبِلي بنو اللقيطة من ذُهْلِ بنِ شيبانا إذاً لَقام بنصري معشرٌ خُشُنٌ عند الكريهةِ إنْ ذو ُلوثةٍ لانا أُنَيف بن قرَيط سعدي يوسف العالَم الواســعُ ، متّسـِـعٌ أرحبَ فأرحبَ ، مع الأيام . وبنو الإنسانِ يبتدعون ويبدعون . الليلُ معاشٌ كالنهار ومضطرَبُ خُطاً وإيقاعاتٍ . الكنائسُ تُغلِق أبوابَها ، لـنُدرةِ الـمُـصَـلّين ، وتتحول إلى صالات فنٍّ ومَقاصف . والبرامج التعليمية تتفتّح أكثر فأكثر ( حذفوا هنا تشرشل ، وأدخلوا أوسكار وايلد ) . والفتيات والفتيان يستقلون مجاناً الحافلاتِ العامة . أمسِ عرفتُ نتيجةَ تحليلِ دمي . قالت لي الطبيبةُ : رائعٌ ! سألتُها : والكبِد ؟ أجابت : رائع ! ( في معلوماتها المدوّنة عني أنني أشرب النبيذ الأحمر ) . تأكدتُ أن النبيذ الأحمر نافعٌ للصحة . سأذهب إلى المخزن الكبير لأشتري ستّ زجاجاتٍ لهنّ هديرٌ من النبيذ الفرنسيّ الفاخر . الموسيقى المستمرّة لديّ أربعاً وعشرين ساعةً تُحَصِّـنُني ضد الفجاجةِ والقبح والدمدمة والضجيج . رحلتي ، مع صـــديقتي ، التي استمرّت أربعين يوماً ، بين جنوبيّ فرنسا ونيويورك ، والــتي أطللتُ فيها على مَشاهدَ ومرافيء ، بينها مرفأ صيد الحيتان في نانتاكيت ، هذه الرحلة التي انتهت قبل أربعة أيامٍ ، جاءتني بثلاثٍ وعشرين قصيدة ، جمعتُها تحت عنوان " قصائد نيويورك " ، مثل ما جمعتُ " قصائد باريس " يوماً ما . ثيابي شرعتْ تميل ، أكثرَ فأكثرَ ، إلى دواعي النزهة والـيُسـر ِوالتريُّضِ . مضى ، إلى غيرِ رجعةٍ ، القميصُ ذو الياقة ، وربطةُ العنقِ صار لها مرأى أنشوطة الشنق . الحياةُ طليقةٌ . أنا ابنُ شارعٍ . أمسِ ، فقط ، أرسلتُ إلى سوسن بشير ، بالقاهرة ، مخطوطة ديواني الجديد " أغنية صيّاد السمك وقصائد نيويورك " لـيُنشـَرَ في " آفاق " . وكنتُ كتبتُ إلى إلهـام ممدوح عـدوان راغباً في إصدار الديوان نفسـه ، ضمن منشورات" دار ممدوح عدوان " ، في طبعةٍ سوريّـة متزامنة مع الطبعة المصرية . قررتُ أن أصدرَ كل عامٍ ديواناً في الأقل ... لِــمَ لا ؟ أنا محترِفُ كتابةٍ . وليس لديّ من وقتٍ أضيّـعُه . والـمُضِــيُّ في درب الفن الطويل يحتاج إلى أكثرَ من حياة ! أعتقدُ أن ديواني الجديدَ سيجعل عديدَ دواويني ، من ألفاظِ العقود : سيكون لي أربعون ... * سألَــني أكثرُ من صديقٍ : كأنك انقطعتَ عن الكتابة في الشأن العراقيّ ! واقعُ الأمرِ أنني انقطعتُ ، ولم أنقطِع . العراقُ ، لديّ ، ليس خبراً يومياً ، أو متابعةً لوحلِ السياسة الراهنة . إنه تكوينٌ في الروحِ ، ومُكَـوِّنٌ لها . النصّ الفنيّ ، بذاته ، يعني أن العراق قائمٌ وفعّالٌ . من هنا أقول إنني لم أنقطع . * ويعود الصديق إلى تساؤلِــه : لم تعُدْ تكتب مقالات سياسية ! أقول لهذا الصديقِ : حقاً . لم أعُد أتابِعُ ، صحافياً ، تفاصيلَ الجريمة اليومية ، التي ينفِّذُها المحتلّون ووكلاؤهم في العراق المحتلّ . بنو اللقيطة : وزراء العار ، والجواسيس ، والمعمّمون الخوَنــة ، ونواب مجلس بريمر ، لن أتيحَ لهم فرصةَ الالتصاق ، كالقراد ، بقميصي الطاهر . لن أتيحَ لهم الاستيلاء على وقتي وانتباهي ، كما استولوا على أملاك الناس وأموالها ، وعلى الأرض وما فيها . لقد ظلّت الدكتاتورية تخنق البلد ، ثلاثين عاماً أو نحوها ، لكنها أخفقت في خنق أنفاســي ، لأنني وضعتُ تلك الدكتاتورية على رفّ الاحتقار ، ولم أعتبرْها همّي الأول . الآن أفعل الأمرَ نفسَـــه . الفنّ متراســـي . منه أوجِّــه أشعّتي . الفن معبدي ، ومَــلْــهاي . لقد كتبتُ كثيراً عن بني اللقيطةِ . كتبتُ أكثرَ ممّا يلزم . بل جمعتُ شيئاً من ذلك في كتاب " يوميات الأذى " . إنهم ذاهبون مع أول هبّةٍ للريح ... ولقد بدأ موســمُ العواصف ! * الساعة الآن ، هي السادسة والدقيقة الخامسة والعشرون ، صباحاً . الطيور استيقظت . وأنا مستيقظ معها . غيومٌ رمادٌ تتحرّك ، بطيئةً ، والحديقةُ تبدو لامعة الشجر من ندى الليل . أتكاســلُ عن إعداد فنجان قهوتي . سأبدأ صباحي بعصير التفّاح !
لندن 06.9.2007
|
|||
اخر تحديث السبت, 11 مارس/آذار 2017 22:30 |