أكتوبر ، شهر الشهور ! طباعة

سعدي يوسف

مطْلعَ أكتوبر هذا ، وفي المملكة التي ما زالت متّحدةً ، اختُتِمَ مؤتمرٌ ، وافتُتِحَ مؤتمرٌ .

في ليفربول ، اختتمَ حزبُ العمّال البريطاني مؤتمرَه ، موحَّداً ، بزعامة جيرِمي كوربِن ، وبنفَسٍ ظلَّ غائباً عن الحزب ، طويلاً .

وفي برمنغهام ، افتتحتْ تيريزا ماي ، رئيسةُ الوزراء ، مؤتمرَ حزب المحافظين ، بعد أن أزاحتْ إلى الأبد ، ديفيد كامرون رئيس الوزراء السابق ، عن الحياة السياسية في البلد .

وبينما حقّقَ حزبُ العمّال وحدتَه الضروريّة ، بدا حزبُ المحافظين موحَّداً أيضاً  ، لكنْ في هشاشةٍ لن تخْطِئها عينٌ  ، فالآفاقُ غير واضحة ، وصراعُ ديناصورات الحزب قائمٌ ، وإن أنكرَه مُنكِرون ، ومستقبلُ المملكة المتحدة غائمٌ ، في أيّامٍ مشمسةٍ .

*

والحقُّ أن القولَ ، لا الفِعل ، هو المثيرُ في المؤتمرَين :

في حزب العمّال ، قال أكثرُ من زعيمٍ عمّاليّ  ، إن الإشتراكيّةَ يُجْهَرُ بها ، الآن ، ولا يُهمَسُ بها همساً ، كما كان الأمرُ في الأيّام الخوالي .

بل أن جيريمي كوربِن سمّى هذه الإشتراكيّةَ :

اشتراكية القرن الحادي والعشرين !

*

أمّا في مؤتمر حزب المحافظين ، وقاعته الأنيقة بل الباذخة ، ببرنغهام ، فقد تواتَرَ تعبيرٌ نسِيناه منذ آبادٍ .

هذا التعبيرُ العائدُ إلينا مع تيريزا ماي هو : الإمبراطورية !

في خطابها الطويل كرّرتْ رئيسة الوزراء ، وزعيمة حزب المحافظين الجديدة ، كلمة  الإمبراطوريّة  ، في ثنايا كلامِها ، بداعٍ ، وبغير داعٍ أحياناً .

وزير الخارجية بوريس جونسون ، الأثيرُ مقاماً لدى تيريزا ماي ، ردّدَ  كلمة الإمبراطورية مستعيداً التاريخَ ، ومستعيراً كلماتِ ونستون تشرشل عن الإمبراطورية .

*

العودة إلى الحلم بالإمبر اطورية ، ليست مستبعَدةً . بل يمكنني القولُ إن حمّى الإمبراطورية ستشتدُّ مع الخروج الوشيك من الوحدة الأوربية .

ملفّات الخروج الأولى ستُفتَحُ  في نهايات شهر  مارس ( آذار ) 2017 .

لكن الباوند الإنجليزي  بدأَ يفقد من قيمته منذ الآن .

عمليّة الخروج من الوحدة الأوربية لن تنتهي بين ليلةٍ وضحاها .

وهناك مشكلاتٌ لا تحصى ، اقتصاديّة واجتماعيّة ، متّصلةٌ بالعمليّة الطويلة .

إذاً  لا بدّ من علاجٍ  سايكولوجيّ :

الوهم !

ليأتِ الحلمُ بالإمبراطوريّة !

والناسُ العاديّون ، سينتشون بإمبراطورية الوهم ، أكثر من انتشائهم باشتراكية القرن الحادي والعشرين التي وعَدَنا بها جيريمي كوربِن !

*

شخصيّاً ، أظنُّ الحديثَ عن الإمبراطورية ، ليس عابراً ، أو دغدغةً .

لقد أشار بوريس جونسون إلى الجبَروت العسكري . أشارَ إلى الجنود البريطانييّن ، في أكثر من بلدٍ ، في سوريّا مثلاً ...

وإلى الأسطول العتيد ، في سواحل الصومال ، والبحر المتوسِّط .

*

العالَم عادَ قديماً ، كما كان ، بعد غياب الرادع الشيوعيّ .

إننا في حقْبةٍ استعماريّةٍ !

 

03.10.2016 لندن