قلتُ : أعودُ إلى الألوانِ المائيّــةِ طباعة

أمسِ ، في الأول من أيار ( مايس ، ماي ، مايو ) ، سمعتُ مُشاهداً  ، خطبةَ الظفَـرِ التي حيّـا  بها مقاتليهِ ، على ظَهر حاملة الطائرات الجبّـارة " ابراهام لنكولن " ، السيدُ جورج بوش ( الإبن ) ، رئيسُ الولايات المتحدة ،
ومن ضمنها  ( أي الولايات ) ، الولايةُ الثانية والخمسون ( أعني العراق ) ، وقد كنتُ أُمازحُ سيدةً إنجليزيةً  ذاتَ يومٍ قريبٍ ، إذ قلت لها إننا الولاية الواحدة والخمسون ، فردّتْ عليّ السيدةُ ضاحكةً : كيف أخطأتَ الحسابَ ؟
نحن الولاية الحادية والخمسون  ، أمّـا أنتم فتأتون بعدنا في القائمة المفتوحة …
على أي حالٍ !

قال السيد الرئيس  جورج بوش إن الإنتقال من الدكتاتورية إلى الديموقراطية سيأخذ وقتاً ، وهنالك البحث في أكثر من ألف موقعٍ عن أسلحة الدمار الشامل ، وكذلك استتباب الأمن ، وإعادة الخدمات … إلخ .
والأنباءُ تتوالى . من بينها  ، أن السيد الرئيس ، عيّــنَ حاكماً مدنيّـاً على الولاية الثانية والخمسين ، وهذا حقٌّ دستوريٌّ له ، كما قيل إن الجنرال المتقاعد غارنر سوف يخضع لتراتبيةِ أن الحاكمَ المدنيّ أرفعُ منه سلطةً وتسلّـطاً .
ومن هذه الأنباء ، أيضاً  : امرؤٌ من الدانيمارك ( دانيمارقة ) ، سيكون حاكماً على البصرة ! ما الـمُـشْـكِـلُ
في هذا؟  الرجلٌ مسلمٌ ( كأن ليس في العراق مسلمون ! ) ، والرجلُ ناطقٌ بالعربية ( كأن أهل العراق أعاجمُ ! ) ،
كما أنه كان سفيراً لبلده في دمشق الشام …
على أي حالٍ ، قلتُ إن الدانيماركيّ قد يأتينا بخيرٍ . مثلاً ، قد يصطحبُ منعم الفقير معه إلى البصرة ،  وهو شابٌّ يعرف البصرةَ  حتماً ، أو يتذكرها في الأقلّ ، مع أنه صار مواطناً من دانيمارقة ، وشاعراً دانيمارقياً بالترجمة ، وممثلاً لكتّـاب دانيمارقة في المحافل …
قلتُ أيضاً إن منعم الفقير ، فقيرٌ حقاً ، ولا سبيل إلى مقارنته مع  وَبْـشٍ  مثل كنعان مكّـية .
أردتُ أن أقول إن منعم الفقير لن يمرّ بالبصرة مثل ما مرّ كنعان مكية بالناصرية ، حين قال في تفاهةٍ نشرتها صحيفة الجمهورية الجديدة  The New Republic   إنه كان يحمل معه ، في السيارة الأميركية المصفحة  SEAL  ، أموالاً وأرزاقاً إلى مرتزقة أحمد الجلبي المسلّـحين …
الحبلُ على الجرّار …
وقيل أيضاً إن ضابطاً مرموقاً في الجيش الإسباني سيتولّى المسؤولية الأساسَ في تأسيس جيشٍ عراقيٍّ جديد  .
الحبل على الجرّار …
وقيل إن مشعان الجبوري سوف يُجـيْـرُ النسوةَ من بيت صدّام  ، لئلاّ يمسين سـبايا !
الحبل على الجرّار …
وفي لندن  ولاهاي ومشيغن  وبرلين وسواها ، يقدِّمُ كتّـابٌ وصحافيّــون وشعراء ، أنفسَـهم ، بضاعةً ، لكنْ … لا أحدَ يشتريهم .

أن تكون عميلاً هذه الأيام  ، مسألةٌ غيرُ مُـجْـزِيةٍ ، فالجنودُ الأميركيون ببغداد ( منطقة مثلّث الفنادق ) يطلقون الرصاص أحياناً في الهواء كي يبعدوا المئاتِ من العراقيين الذين يريدون العمل معهم ( بسببٍ من جوعٍ وخوفٍ ) ،  والكثيرُ من هؤلاء أقدرُ وأحقُّ  ، من متطوِّعي لندنَ وســواها  ، الذين حلّــوا  بها  ذاتَ يومِ  ، ملتجئين ، باعتبارهم شيوعيين أمَـضَّ بـهم الأذى .
*  *  *
أخرجتُ ورقَ الرسمِ ، وإحدى عشرةَ فرشاةً ، وعلبة الألوان المائية ، وقلمَ رصاصٍ مرهفاً ، وممحاةً . جئتُ بكأسين ، فيهما ماءٌ صافٍ ، كأسٍ لاغتسال الفرشاة من ألوانها ، وكأسٍ لِـمَـتْـحِ الماء ،  وبدأتُ أرسمُ . كنتُ أستعمل الحبرَ الصينيّ  في ما سـلَفَ من أسطورة المنفى.
اليومَ سأغرقُ في الألوان المائية .
 أسلحتي في مغالبة المنفى أستعيدُها الآن .
ولسوف يطول منفاي إلى الأبد …
لن أعود إلى عراقٍ هو الولاية الثانية والخمسون .

                                                         لندن 2 / 5 / 2003

اخر تحديث الثلاثاء, 16 مارس/آذار 2010 11:40