بلَدُ فاشستيٌّ مُمطِرٌ ! |
سعدي يوسف قبل يومَين وصَفَ كاتبُ عمودٍ في " الغارديان " بَلده ، بأنه فاشستيٌّ ممطرٌ ، ثم حاولَ أن ينفي تهمةَ الفاشستيّة ، وإنْ لم يحاولْ ( وهذا مفهومٌ تماماً ) نفيَ المطر ! والحقُّ أن المملكة المتحدة ، بعد استفتاء الخروج من أوربا ، بدتْ عاريةَ المساويء والسَّوءاتِ . لقد أجهزَ الأغنياءُ على البلاد والعباد ، ولم يتبقَّ من إصلاحات 1945 سوى دائرة الصحة الوطنية
المثقلة بالديون ، والمنهَكة من الخصخصة ، سواء ٌ في حكم العمّال أو المحافظين .N.H.S قُبَيل الاستفتاء ، هدّد وزيرُ الخزانة جورج أوزبورن باقتطاع 30 مليار من النفقات العامّة ، الشحيحة أصلاً. ومعروفٌ أن أوزبورن هو تجسيدٌ صارخٌ للنظام البريطاني العتيق ، وللمافيا الماليّة الأوربية أيضاً . لم يتبقَّ من دولة الرفاه العامّ شيءٌ . المكتبات العامّة ، حتى مكتبات القرى ، تُغلَق . وما لم يُغلَق منها ، في أسوأ حال .مرة ، أخذتُ حاسوبي المحتضَن ( اللابتوب ) إلى مكتبة هَيرفيلد ، حيث أسكنُ ، وأردتُ أن أصل اللابتوب بمَقبَسِ الكهرباء ، فقال لي المكتبيّ بكل لُطفٍ : هذا ممنوع . خيرٌ أن يكون حاسوبُكَ مشحوناً ، لأننا حريصون على تخفيض قائمة الكهرباء في المكتبة ، التي هي في ضائقةٍ دائمة ! استولى الأغنياءُ على سكك الحديد وقطاراتها ، على المطارات وطائراتِها ، على المسْكنِ الاجتماعيّ وأهلِه ، على الأرض وكنوزِها . المجالس المحلّيّة لا تكاد توفِّرُ خدماتِها المألوفة للمواطنين ، بسبب تقليص النفقات المستمر تحت الإدارة ذات التقاليد الثاتشريّة . في المملكة المتحدة ، على حدّ قول جون بلجر: اشتراكية للأغنياء ، ورأسماليّة للفقراء ! 63 بالمائة من الأطفال الفقراء يكْبرون في أُسَرٍ ذاتِ مُعِيلٍ واحد . وهناك مليونان من سَكَنة مانشستر ( ثاني مدينة في البلاد ) تحت خطّ الفقر . في حملات الاستفتاء جرى التهويل من شبح الهجرة . لكنّ المتسبِّب في هذه الهجرة ، هي النُّخبة الحاكمة إيّاها التي دمّرت الحياة الطبيعية للناس في فلسطين والعراق وسوريا ويوغسلافيا ، بحروبها العدوانيّة . لم يَعُد الناسُ ذوو الدخْل المحدود قادرين على دفع نفقات الجامعة لأبنائهم ، وهي نفقاتُ باهظة حقّاً . هكذا صار التعليم الجامعيّ حكْراً على الأغنياء ، كما كان الأمر في العصر الوسيط . قولة " لا " في الاستفتاء الأخير ، كانت صيحةً ، لكنْ في وادٍ ... ذلك لأنّ النخبةَ الحاكمة ستظل حاكمةً ، بل قد تزيد من وطأتِها على الناس والنقابات . * " المملكة المتحدة " ليست متّحدةً الآن . اسكتلندا ، وشماليّ إيرلندة ( المقتطَع من إيرلندة الأمّ ) صوّتتا للبقاء في أوربا . انجلترا وويلز صوّتتا للخروج من أوربا . أسكتلندا تستعدّ منذ الآن لاستفتاء جديد ، بُغْيةَ الخروج من المملكة المتحدة ، بلاداً مستقلّةً . * إذاً ؟ هل سيَصْدُقُ وصفُ كاتبِ العمود في " الغارديان " : بلدٌ فاشستيٌّ مُمطِرٌ ؟
لندن في 27.06.2016
|