دعاة ولايةِ الفقيهِ ... طباعة

سعدي يوسف

قبل أعوامٍ ، آنَ كنتُ أزور الصينَ ، بدعوةٍ من صديقٍ صينيّ كريمٍ ، هو إدوارد نِي ، التقَيتُ في شانغهاي بمثقفٍ يابانيّ يزورُ الصينَ .

ورغبةً مني في أن أفتحَ البابَ أوسعَ في الحديث مع الرجل ( اليابانيّ متحفِّظٌ طبعاً ) ، صرتُ أتحدث عن إعجابي بالرواية هناك وبالهايكو ... إلخ .

ومضَيتُ أبعدَ قليلاً ، فأخبرتُه أنني نقلتُ إلى لغتي العربيةِ ، روايةً يابانيّةً .

سألني الرجل : أيُّ روايةٍ ؟

أجبتُ : " الصرخة الصامتة " لكنزبورو أوي ، الحائز على جائزة نوبل .

تغيّرتْ ملامحُ اليابانيّ .

ثم قال : كان خيراً لو لم تترجِم لكنزبورو أوي ...

استفسرتُ عن السبب .

قال : ألا تعرف أنه لم يوقِّعْ على بيانٍ يطالبُ بجلاء الإميركيّين عن قاعدتهم في أوكيناوا ؟

قلتُ : أتظنُّ هذا الموقفَ ذا علاقةٍ بمنحه جائزة نوبل ؟

*

في الأول من فبراير ( شباط ) 1979 ، هبطت في مطار طهران ، طائرةُ بوينغ ، ونزل منها مسافرٌ عجيبٌ اسمه الخُمَيني .

كانت إدارة الرئيس كارتر على عِلْمٍ تامٍّ بالأمر منذ أعوامٍ . كما أن الإدارة الأميركية كانت نصحتْ قيادة الجيش الإيراني بألاّ تدبِّرَ انقلاباً عسكريّاً ، ونصحتْ شاه إيران بمغادرة البلاد .

لقد أقنعَ الخُمَيني ، الماكرُ ، الأميركيّين  ، قبل سنين ، بأنه  خيرُ مَن يقف ضد الشيوعيّة والروس .

هكذا أقامت الإدارةُ الأميركيةُ نظامَ ولاية الفقيه في بلاد فارس .

*

قبل ثلاث عشرة سنةً ، غزا الأميركيون ، العراقَ ، واحتلّوا بغداد .

وقبل ثلاث عشرة سنةً أيضاً ، أقامت الإدارةُ الأميركيةُ ، مع حزب الدعوة ، نظامَ ولايةِ الفقيه ، في بلاد ما بين النهرَين .

*

المبدعون الإيرانيّون ، من يساريّين وليبراليّين ، كانوا ضدّ نظام الخمَيني ، فتعرّضوا للبطشِ ، وغادروا البلاد .

*

لكنّ للمثقّفين العراقييّن ، شأناً آخرَ .

إذا استثنَينا البعثيّين منهم ، وحفنةً من اليساريّين ، وجدنا أن الجسمَ الثقافيّ العراقيّ تصالَحَ  وتَكيَّفَ مع نظام ولاية الفقيه ، بالرغم من سوءاتِ هذا النظام .

من هنا جاء تعبير " شعراء ولاية الفقيه " .

*

ألَمٌ ما مثله ألَمٌ ، أن يشهدَ المرءُ كيفَ أخرسَ الشعراءُ أصواتَهم بأيديهم ، وكيف أغمضَ الفنّانونَ عيونَهم  ، بأيديهم ، حتى اليوم ، عن أبشع مجزرةٍ تعرّضَ لها شعبٌ في هذا القَرن .

ضحايا الإحتلال ، ونظام ولاية الفقيه ، هم ثلاثة أضعاف ضحايا هيروشيما .

وما زال هذا الشعبُ ينزفُ دماً غزيراً ، كأنّ لعنةً أبديّةً سُلِّطَتْ عليه.

هذه اللعنة هي نظام ولاية الفقيه الذي فرضَه المحتلّون بقوّة السيف .

أليس ثمّتَ ، مَن يقول : لا ! ولو همساً ؟

إن كان من يعيشون داخل السجن يخشَونَ العقابَ ، وأخفُّه القتل ، فما بالُ مَن يعيشون خارج السجن ، في أوربا أو الأميركيتَين أو في متاهات بلاد الله الواسعة ؟

لماذا يُصِرّونَ  ( أعني مَن ينْظِمونَ الكلِمَ ) على أنهم شعراءُ ، وكأنّ شيئاً لم يكُنْ ؟

هم الآن مطرودون ، خارج المائدةِ المقدّسةِ .

إنهم شعراءُ ولايةِ الفقيه !

 

لندن 18.06.2016