أنْ يحاولَ امرؤٌ التحديقَ في غابةٍ ... |
سعدي يوسف تناقلت الأنباء الواردة من بيروت ، أطرافاً من حديث عن إغلاق صفحات ثقافية ، في " السفير " و " النهار " و " المستقبل " ، وسواها ، اقتصاداً في الإنفاق على بضاعةٍ ما . والحقُّ أنني لم أحزنْ لهذه الأنباء ، بل لقد أحسستُ بأنّ ما حدثَ خيرٌ للحصافة والثقافة ، وللمشهد الحيّ في وعي أُمّةٍ . لن نسمع بعد الآن أن عباس بيضون ( مثلاً ) هو ملك قصيدة النثر ، بعد أن فقد متراسه في " السفير " ، ولن تكون جُمانة حدّاد مع عقل عويط ثُنائيّ الإبداع العربي في العالَم ( الخليجيّ بخاصّة ) ، بعد أن توقّفت " النهار " . الأمر نفسه مع بول شاؤول ، مسؤؤل الإبداع لدى آل الحريري الكرام . لستُ أدري إن كان عبده وازن سيلقى المصيرَ ذاته ، مع أنّ الأمر مستبعَدٌ حتى الآن. * لندن ، وصحافتُها ( العربية ) ، ليست بمنأى عن التوصيف نفسه . * من تقاليد الصحافة الثقافية ، في المملكة المتحدة ، الصادرة باللغة الإنجليزية ، أن الأقسام الأدبية والفنية فيها ، لا يتولّى أمرَها مبدعٌ ، بل أن هذا الأمر مقصورٌ بدقّةٍ تامّةٍ على أهل النقد وممارسِيه ، خشيةَ هوىً ونزوةٍ من المبدعين ، وهم أهل الهوى . كان غراهام جرين ، على سبيل المثال ، مقرّباً من صحيفة " التايمس " ، لكنه ظلّ مُسْهِماً ، لا قائماً بتحرير. * من المؤسف ، القول إن بؤس المشهد الثقافي ، في الصحافة العربية ، في أرض العرب ، وفي المهْجر ، يعود إلى أنّ " شعراء " فاشلين ، احتكروا الصحافة الثقافية ، ووضعوها تحت تصرُّفِ أهوائهم ، بوقاً لهم ولأتباعهم . ومثل ما أسلفْتُ ذِكره ، عن صحافة لبنان ، يجري في صحافة لندن ( العربية ) . الشعراء الفاشلون يتولّون الصفحات " الثقافية " ، في " العربي الجديد " ، و " القدس العربي " ، و " إيلاف " و " الشرق الأوسط " ، و " العرب " ، أمثال بشير البكر وفاضل السلطاني وعبد القادر الجنابي ونوري الجرّاح . هؤلاء اللندنيون يفعلون في المهْجرِ ، فِعلَ فاشِلي لبنان في بيروت الذين حطّموا السمعة التاريخية لبيروت الثقافية. لكن اللندنيّين أسوأ من اللبنانيّين ، إذ هم في خدمة أسوأ الأنظمة الرجعية ، بإطلاقٍ . * أمّا في العراق المستعمَر ، فإن شاعراً فاشلاً آخر ، هو علي الشلاه ، يتولّى شأنَ كلِّ ما اتّصلَ بوسائل التعبير ، من صحافة ، وفضائيات ، وإذاعات ، باعتباره مسؤولاً عمّا يُدْعى " الهيأة العليا للإتصالات " التي أسّسها الاحتلال. * لستُ مطَّلِعاً، كفايةً ،هذه الأيامَ ، على ما اتّصلَ بالصحافة الثقافية ، في مصر والسودان والشمال الإفريقي ، لكني لا أظنّ الغابةَ ذاتَ مسالكَ أرحبَ . أردتُ ، عبرَ هذه المقارَبة الصريحة ، أن أقول : علينا أن نعرفَ أنفسَنا ، قبل أن نحاول خطوةً في السبيل القويم . * صباح الخير أيّتها الغابة ! عليَّ ، أيتها الغابةُ ، أن أرودَ مسالكَكِ . وعليّ أن أحكي للناسِ . والرائدُ لا يكذبُ أهلَه !
تورنتو 16.04.2016
|