سعدي يوسف في 19.12.2003 كتبتُ الآتي : " كنتُ أشرتُ في مادةٍ سابقةٍ إلى ما أسميتُه مفاتيحَ الحرب الأهلية ، المتمثلةَ في تَجَحْفُلِ مسلَّحي الأحزابِ مع قوات الاحتلال ، وقيام هؤلاء المسلحين بعمليات اقتحامٍ و دهمٍ واعتقالٍ ، تنفيذاً لأوامر المحتلين الذين أخضعوا ميليشيات الأحزاب المعيّنة إلى قيادتهم العسكرية ، وكلّفوها ما عجزوا هم عنه : إخضاع الشعب العراقي إلى مشيئتهم . لم أكن أعني في ما عنيتُ ، أوباشَ علاّوي والجلبي الذين جيءَ بهم من وراء الحدود ، إذ أنهم يعتَبَرون جزءاً من القوات الغازية ، لكني كنتُ أعني العناصرَ المسلّحة لأحزابٍ وتنظيماتٍ كانت ذات دورٍ بارزٍ في المقاومة المسلحة ضد نظام صدّام حسين .
من المؤلم إخراجُ هذه العناصر من محيطها وتاريخها ، ووضعها إزاء مهمّاتٍ غيرِ لائقةٍ بها ، ولا تنسجم مع صفتها الكفاحية وامتداداتها في تاريخ العراق الوطنيّ . " * إلاّ أن الأنباءَ والتقارير ظلّت تتوالى ، مُذّاكَ ، وتتواترُ ، عن الـتحاقٍ فعليّ ، من تلك الميليشيات ، بالوحدات القتالية الفعلية الأميركية ، في بغدادَ وغربيّ العراق بخاصّةٍ ، والمشاركة في أعمالٍ حربية ضد السكّان هناك . بل قيل في تقاريرَ معيّنةٍ إن هؤلاء المرتزقةَ ، من الأكرادِ ، أبـلَوا بلاءً " حسناً " في التنكيل بأبناء بلدِهم . كان هذا كلّــه يَحْدُثُ ، تحت ستارٍ من الصمت البشِــع . المرتزقة يقاتلون ويَقتلون في صفوف جيش الاحتلال ، بينما زعماؤهم السياسيون صامتون عن الجريمة ، كأنها لم تكُنْ . أمّا قبل أيامٍ ، ومع الحديث عن إعادة تموضعٍ للقوات الأميركية ، وانسحاباتٍ ممكنة ، فقد شــرع الساسةُ الأكرادُ أمثال محمود عثمان ومسعود البارزاني يتحدّثون علناً ، متمشدقينَ ، بأن البيشمركة الكردية قد تقوم بعملياتٍ أمنيةٍ ، وقتالية " ضد الإرهاب في أي مكانٍ من العراق " كما أعلن مسعود البارزاني أمام البرلمان الكردي قبل أيامٍ معدوداتٍ . واضحٌ ، أن الأوامر الأميركية قد صدرت ، بالفعل ، إلى الزعامات الكردية ، لتزجَّ بالمواطنين الأكراد في حربٍ ضد المواطنين العرب ، تنفيذاً لإرادة الاحتلال في تمزيق البلد ، وتفتيت كيانه ، وتنفيذ مجازر جديدة بأيدي البيشمركة الكردية هذه المرة ، كأن المجازر القائمة ليست كافية ، وكأن ثلاثة أرباع المليون من ضحايا الموت العنيف العراقيين ، لم يخففوا شهوة القتل لدى جورج دبليو بوش وجنرالاته وسياسـيّيه وعملائه . * لستُ أدري إنْ كان الساسةُ الأكرادُ لم يقدِّروا ، بعدُ ، أو أنهم لم يقدِّروا ، بإطلاقٍ ، خطورةَ ما يُرادُ بهم ... صحيحٌ أن أي حركة قومية ، تحمل معها ، بالضرورة ، بذوراً شوفينيةً . رأينا هذا الأمر مع الحركة القومية العربية ، وكيف اندفعت في مقاتلة الأكراد . لكننا رأينا أيضاً كيف وقف العربُ أيضاً موقفاً آخر : أنا ، مثلاً ، سُجِنتُ ، لأنني طالبتُ بإيقاف الحرب ضد الأكراد . الموقفُ المنتظَر من الأوساط السياسية الكردية الأكثر مسؤولية أن تقف ضد ما يريده الأميركيون : الإيقاع إلى الأبد بين العرب والأكراد في العراق . الموقف المنتظَر هو رفضُ تجحفُلِ البيشمركة مع قوات الاحتلال ، وتحويلِها من وحداتٍ عسكرية وطنية كرديّة إلى مرتزقةٍ تحت إمرة الأميركيين المحتلّين . الموقف المنتظَر هو أن يتمسّك الزعماءُ الأكراد بالمصالح العليا للشعب الكردي ، لا بالمصلحة الآنيّــةِ لإدارة الاحتلال . والمصلحة العليا للشعب الكردي هي في علائق جوارٍ حسنٍ وقُربى مع العراقيين العرب . المطمح النبيل ، والمشروع ، للشعب الكرديّ ، هو في نيل استقلاله الحقيقيّ ، لا في أن تكون أرضُهُ مستعمَرةً جديدةً للولايات المتحدة ، بقواعدها العسكرية ، واقتصادها التابع ، وعملائها المعششين في المفاصل الرئيسة للإدارة الكردية . المقاتلون الأكراد مهمّــتُهم التاريخية ، النبيلة ، هي الدفاعُ عن كردستان المستقلة . أمّا زَجُّــهُم في حربٍ طويلةِ الأمدِ ، عجزَ عنها الأميركيون ، فهو خطرٌ ينبغي تلافيه منذ الآن ... لندن 28.12.2006 * ماذا أقول الآن ... ونحن في الثالث والعشرين من نيسان 2015 ؟
|