أنشـدَ سيبويه : دارٌ لِـمَـرْوَةَ إذ أهلي وأهلُهمُ بـالكانسـيّةِ ترعى اللهوَ والغزَلا وجاء في لسان العرب : الكَنْـسُ كَسحُ القُـمامِ عن وجه الأرض . والمِكنسةُ ما كُنِسَ به ، والجمعُ مكانس . و كنِست النجومُ تكنِسُ كُنوساً : استمرّت في مجاريها ثم انصرفتْ راجعةً . يقالُ : كنَسَ أنفَه إذا حرّكه مســتهزئاً . والحقُّ أنني لم أكن معْـنـيّاً بخطورة المكانس ، ودورها في العراق اليومَ ، لو لم أقرأ تصريحاً
لأحد وزراء بريمر الثالث ملكِ العراق ، يقول فيه بالحرف الواحد : سنحمل مكانسنا ونذهب إلى ساحة التحرير … قلتُ والله إن الأمور لَــفي خيرٍ ، فهاهوذا امرؤٌ من بلدي يخرج إلى الساحة مجاهداً ، وإن امتشقَ مكنسةً ! ومضيتُ أقرأ الخبر متابعاً ، فإذا بالرجل يقول إنه خارجٌ مع جَــمْــعهِ ليكنسَ ساحة التحرير عند نُصب جواد سليم . وأُراجِـعُ الأمورَ مع نفسي ، لأضعها موضعَــها ، فالرجل يُمضي يومه في مكاتبَ بلا كهرباء ، وليس لديه مالٌ كافٍ لإصلاحِ مولِّــدٍ ، وأمسِ الأول عيّـنَ الملكُ مستشاراً وغْـداً في وزارته … إلخ . ليس باليدِ حيلةٌ ، فلتكنْ فيها مكنسةٌ في الأقلّ ! *** لم يحظَ العراقُ بحاكمٍ عادلٍ مثل حُظوته بـالملك بريمر الثالث ، فهذا المخلوق حريصٌ على أن يرى الناسَ سواسيةً كأسنانِ المشط ، أو عيدان المكنسة ، لا يفرِّقُ بين جاهلٍ وعالمٍ ، أو بين أجيرٍ ووزيرٍ : كلُّـكم كنّـاسٌ ، وكلُّكم مسؤولٌ عن مكنسته . وعليكم ، جميعاً ، أن تمهدوا الطرقَ ، وتفتحوها ، سالكةً ، نظيفة ً ، لتنطلق عليها دباباتُ أبرامز وعجلات الهامفي وعصابات المقاولات الكبرى والمافيا السياسية من أممٍ شــتّـى . بحر العلوم الإبن يكنس الطريق أمام شركات النفط الأميركية . الكيلاني يكنس الطريق أمام من يشترون العراقَ ، بلاداً وعباداً . المكلّف بالإعمار يكنس الطريق أمام شركات البنتاغون. هوشيار زيباري يعيِّـن مواطنةً أميركيةً متزوجةً من ضابط مخابراتٍ أميركيّ سفيرةً في واشنطن ! *** إن الحديث المتداوَل في دوائر معينةٍ عن بناء مؤسسات دولةٍ ، أو إعادةِ بناءٍ ، فيه نوعٌ ساذجٌ من الإستغفال ؛ إننا في حالةٍ استعماريةٍ تقليديةٍ ، والدولةُ قائمةٌ ، هناك ، في بلد المتروبول ، وهي التي تتصرّفُ بالمصائر ، وتُـصَرِّفُ الأمور، أمّـا ما يُسمَحُ بقيامه في البلد ( العراق ) فليس سوى واجهاتٍ محليةٍ للوضع الإستعماري .
|