يوم دخل الجنرال توم فرانكس بغداد ، التاسع من نيسان هذا العام 2003 ، لم يجد عراقياً واحداً ، عسكرياً كان أم مدنياً، مستعداً لتوقيع وثيقة استسلام بغداد ؛ ربما كان الأمر مصادفةً محضاً ، وربما لم يمنح بوش الإبنُ ، صدام حسين ، ما مُـنِـحَـه الطاغيةُ من لَـدُن بوش الأب ، وإلاّ كان أرسلَ ( أعني الطاغية ) أحد ضباطه ، أو جاء هو بنفسه ، إلى خيمـةٍ مثل " خيمة ســفوان " ، ليوقِّـع الوثيقةَ ، بيدٍ ثابتةٍ ، مدرَّبةٍ على قتل العراقيين أوّلاً . المثير في الأمر ، أن تومي فرانكس لم يدخل بغداد ، على صهوة جوادٍ أبلقَ ، شأنَ الفاتحين قبله ، لكنه أرسل دبابةً ورافعةً ، وأجهزة تلفزيون ، ليهدم تمثالاً هو مهدومٌ أساساً في الوعي العراقي .
حدث ذلك بعد يومين من السابع من نيسان ، اليوم العالمي للعميان في مفكرة الأمم المتحدة . الآن ، وبعد سبعة شهورٍ من اجتياح بغداد ( مهلة الخديج من المواليد ) ، يوقِّـع جلال الطالباني وثيقة الإستسلام التي لا تشبهها وثيقةٌ على مدى التاريخ الإستعماري منذ القرن الثامن عشـــــــر. واقعُ الحال أنها ليست وثيقةً بالعُـرف السائد . أي أنها بدون ملموسيةٍ مرجعيةٍ . كل ما فيها غائمٌ ، مؤجلٌ ، باستثناء البقاء الأبدي للإحتلال ، باعتباره ضيفاً مقيماً إلى أبد الآبدين ، متعهداً أمننا ، ومتعهدين أمنه وأمانه ، ومَطعمَـه ومشــربَـه . المضحك في الأمر ـ شــرّ البلية ما يُضحِـكُ – ذلك الحديث عن الإنتخاب والحكومة وعودة السيادة . لقد صاغ بريمر الثالث وثيقته التي وقّـعها جلال الطالباني ، صياغةً دقيقةً ( ربما أكثر من اللازم ) ، ليقول لنا ، صراحةً، إنه هو - والوبشُ الذي سيخلفه يوماً – لن يتيح لنا حتى الحصول على وعدٍ بانتخاباتٍ مزوّرة : هيئة الناخبين و عموم المنتخَبين في وثيقة بريمر الثالث ، ملك العراق ، هي بالتعيين الدقيق المدقِّـق . أمّـا الحكومة الموهومة التي ستخلف " مجلس المحكومين" الذي تلقّى ركلةً يستحقّـها ، فليست سوى مجموعةٍ من العملاء ارتضت أن تكون درعاً محلياً للإحتلال . الآن أعود إلى سؤالٍ مؤرِّقٍ: أيّ حقٍّ لجلال الطالباني في توقيع وثيقة الإستسلام هذه؟ إنه ليس امبراطور اليابان ، ولا المارشال بيتان ( في الأقل) . يقول إنه رئيس مجلس المحكومين ... لكن هذا المجلس دائرة من دوائر الإحتلال ، ليس أكثر . إذاً ، أهي بصمةٌ – فحسب - على توقيع بريمر الثالث ؟ ألا يعتقد جلال الطالباني أن هذه الوثيقة ستكون الإعلانَ الأساسَ لحربٍ أهليةٍ؟ الإحتلال يريد أن يضع العراقيين بمواجهة بعضهم : ينصِّب مجموعة محليين مأمورين إزاء الشعب ، بينما ينعم هو بأمن قواعده ومعسكراته في طول البلاد وعرضها. السؤال الآخر: أي حقٍ لجلال الطالباني في العراق العربي؟ إنه – على أي حالٍ- ليس شيخَ العراقَـينِ ... هل يُدفَعُ العراقُ بأكمله ثمناً للإحتفاظ بـ" كويسنجق" ؟ لندن 20/11/2003
|