وَرْبة وبوبيان … وقناة بَنمـا طباعة

ينبغي أن تؤخذ تصريحات النكرة مضر شوكت مأخذَ الجِـدّ  ( أعني تلك المتعلقة بالجزيرتين الكويتيتين ) ، فالرجل
هو صوتُ ســيِّــدهِ ، والسيِّــدُ في واشنطن .
لماذا يريد الأميركيون الإستيلاء على وَربة وبوبيان ؟
وهل من سابقةٍ لمثل هذا الأمر في التاريخ الأميركي ؟
في رأيي أن الأميركيين يريدون أمرَينِ  :
الأول هو الشــروع في عملية التمدد ، انطلاقاً من العراق المحتل

، بُـغْـيةَ تأمينٍ أفضلَ لمصادر الطاقة ، سوف
يشمل ، بعد الكويت ، بلدانَ الخليج والجزيرة الأخرى . ولسوف تُـستخدَم ذرائعُ شتى ، تختلف باختلاف البلدان من قَـبيل القضاء على قواعد إرهابٍ ، أو تنشيف موارد منظمات إرهابٍ ، أو تعديل حدود ، أو إقامة نظامٍ ديمقراطي على أنقاض أوليغاركيّات فاســدة … إلخ .
الثاني هو الإستنزاف الســريع لثروة العراق البترولية  ، فالأميركيون يعرفون أنهم لن يقيموا في العراق محتلين أكثرَ من نصف قرنٍ ( تقول تسريباتهم الأخيرة إنهم سيظلون يحتلون العراق ثلاثين عاماً فقط! ) . إن نصف القرن هذا كفيلٌ باستنفاد ثروة العراق البترولية ، لكن الإستنفاد السريع يحتاج إلى منافذِ تصديرٍ بحريةٍ أكثرَ قدرةً وعمقاً ، مثل
وربة وبوبيان .
لن تخوض الولايات المتحدة حرباً .
سوف تلجأ إلى أساليب أخرى : مناوشات محدودة . ضغوط دبلوماسية واقتصادية . وضْـعُ العراقيين بمواجهة الكويتيين ، كلُ هذا بُـغيةَ الوصول إلى الهدف النهائي الذي قد يتّـخذ صورةَ مراضاةٍما : الإستئجار مثلاً .
                                
                                              ***
وللولايات المتحدة تجربةٌ عريقة في هذا الـمَـنْـشَـطِ :
معروفٌ أن حكومة كولومبيا منحت المهندس الفرنسي فرديناند دلسبس ( مهندس قناة السويس ) امتيازاً لشقِّ
قناةٍ عبر برزخ بنما ( التابع لكولومبيا ) ، وقد بدأ العمل بالمشروع في العام 1882 ، لكن المشروع تعثّـرَ لأسبابٍ كثيرة ، وأفلست الشركة الفرنسية ، مع تفاقم المصاعب وشحة الموارد وهرمِ فرديناند دلسبس .
في 1902 صدر قانون سبونر  ( نسبةً إلى السناتور جون سبونر من ولاية وسكونسن ) الذي يخوِّل الرئيس الأميركي ثيودور روزفلت ( الملقّب الهراوة والمتباهي بقوّة بلده البحرية ) صرف مبلغ أربعين مليون دولار لشراء
" شركة قناة بنما الجديدة " ، والتفاوض مع حكومة كولومبيا على معاهدة بخصوص مشروع القناة والعوائد .
عرضَ الأميركيون على كولومبيا مبلغاً أساساً قدره عشرة ملايين دولار ، مع عائدٍ سنوي قدره ربع مليون دولار،
مقابل " استئجار " شــريط عُرضه ستة أميال من برزخ بنما  ، لمدة مائة عام .
رفضت الحكومات الكولومبية هذا العرضَ ، فدبّـر الأميركيون تمرداً انفصلت فيه بنما عن البلاد ، معلنةً استقلالها،
وأرسلَ ثيودور روزفلت الهراوةُ ، السفينةَ الحربية " ناشفيل " ، لحماية أرواح الأميركيين ( كان الغزو البري غير ممكن بسبب كثافة الغابات البنميّـة )، واعترفت الولايات المتحدة باستقلال بنما ، ووقّعت حكومةُ الإنفصال على
المعاهدة المطلوبة .
لا تزال بنما تحت النفوذ الأميركي  ، وكلّـما أراد أحد رؤسائها التملص دُبِّـرَ انقلابٌ ضده ( عمر تورّيخو مثلاً)
وجـيءَ بآخر .
                                          ***
أيُّ مفاجـآتٍ تنتظرنا ، ونحن في أول الدرب !

لندن 11/1/2004