أوراقُ التينِ اليابسةُ طباعة

الصيارفة المطلوبون من الشرطة الدولية ، هؤلاء الذين قال الجواهري عن واحدهم " وتَوَقَّ ذاكَ الصيرفيَّ الحاسبا " ، ومُـدّعو الدين الذين قال أبو العلاء عنهم إنهم " يُسَــبِّـحونَ وباتوا في الخَـنا سُـبُـحا " ، والقَـتَـلةُ البعثيون المستعدون للخيانة منذ نعومة أظفارهم ( هل كانت ناعمةً يوماً ما ؟ ) ... هؤلاء جميعاً قدّموا أوراقَ التين ، وإنْ كانت يابسةً ، كي يتستّــر بها الإحتلالُ الماثلُ . والفاجعُ في الأمر أن طِـماحهم الأدنى هو في ادّعاء أنهم ، هم ، مَن يُـضادّونَ النظامَ ، وبالتالي يكونون ، هم ، المؤهلين لإدارة البلد

، غداةَ ينتهي الإحتلالُ من عمليات " التهدئة " .حُـكمُ الأتباعِ هو طماحُـهمُ الأعلى.
لكن حُكمَ بلدٍ مثل العراق ليس بالأمر الهيِّـنِ ، أعني أنه لا يمتُّ بصلةٍ إلى إدارة مصرفٍ، أو إلقاءِ موعظةٍ ، أو بناء
غرفةِ تعذيبٍ ؛ لقد تعلّـمَ صدام حسين الأسماءَ كلَّـها ، القريبةَ من هذا ، ولم يُـفْـلِـحْ في أن يسوسَ البلد سياســةً ، وهاهوذا الضحيةُ الأولى للمنطقِ الخطأِ الذي كلّــفَ العراقَ استقلالَـه .
جاء صدام حسين إلى الحكم ، كما يحلو للصيارفة ومدّعي الدين والقتلة البعثيين  أن يجيئوا الآن : بالقطار الأميركي ذاته . لقد قفز العِـلْـجُ من جدار السفارة الأميركية ببغداد مع ثُـلّـةِ متآمريه ، واعتقل رئيسَ الجمهورية آنذاك
عبد الرحمن عارف ، مفتتحاً أشدَّ العهودِ حُلكةً في تاريخ العراق ، بإطلاقٍ . لكن تلك الأيام كانت أيامَ الحرب الباردة ، حين كان الأميركيون محتاجين إلى جلادٍ ينفذ أوامرهم ، ويحكم إنابةً .
الآن اختلفَ الأمرُ :
الأميركيون يحتلّــون البلدَ احتلالاً مباشراً ، وهكذا فهم بغير حاجةٍ إلى عميلٍ يحكم بالإنابةِ . سوف يقيمون إدارتهم ، ويفتحون فروعاً لمصارفهم ، وجامعاتهم ، وبعثاتهم التبشيرية ، مستخدمين وسطاءَ في هيأةِ أدلاّء ومترجمين
وقُــفاةِ أثرٍ ... سوف يطوِّرون الإدارةَ القائمةَ لتكون على صورةٍ ما من إدارتهم ، ويمضون بالأمر قُـدُماً معتمدين على سـلاحهم أولاً ، وعلى الله الموفِّـقِ ثانياً ، وعلى صبر العراقيين الفريدِ ثالثاً .
المحتلّ لا يتعامل مع العميل.
المحتلّ يأمرُ العميلَ ويستخدمه .
لكن على المحتل ، باعتباره سلطةً ، أن يتعامل مع من يحتلّــهم ، أي أن يتعامل مع الناس ، مباشرةً . هكذا تنتهي
موضوعة العميل وظيفياً  ؛ وفي هذا جانبٌ إيجابيّ ، فالعميلُ أشدُّ قسوةً على الناس من الأصيل ( وقد أثبتَ صدام حسين هذا  ) ، ثم أن على الأصيل أن يقدم حسابه – بعد أن يستتبَّ له الأمرُ – إلى هيئات بلده التمثيلية ، ولهذا لايُعتبَـرُ حكمُـه مطْـلقاً ، بينما يمضي الوهمُ بالعميل حتى أبخرة الألوهية .
سوف تكون المعادلةُ مُـحْـكَـمةً :
الناس من جانبٍ . و المحتلّ من جانبٍ .
أليس هذا بدءَ التحريرِ ؟
                                                                   لندن 25 / 3 / 2003

اخر تحديث الثلاثاء, 16 مارس/آذار 2010 11:40