سعدي يوسف أنت تبلغُ بادية بادية السماوة ، حيث قُتِل المتنبي . تبدو الباديةُ ، حمادةً ، قاسيةً ، لا معالمَ فيها . لا نبتٌ ولا شجرُ. * نَـكَّبَ أبو محسَّدٍ ، السماوةَ والعراقَ يوماً تركْنا من وراءِ العيسِ نجداً ونَكَّـبْـنا السماوةَ والعراقا ... فجأةً ، من وهدةٍ ما ، تلمحُ شجراً ، ربما كان أثَلاً . ثم تنحدرُ الحمادةُ إلى قلعة الجنرال جلوب ، جلوب باشا ، الملقّب " أبو حنَيك " بسببِ تشوُّهٍ طفيفٍ في حِنكِه .
إنها نقرة السلمان ... السجن الصحراويّ والقلعةُ التي تصدُّ الجِمالَ الوهّابيّةَ الـمُغيرةَ هنا أيضاً ذوى مهزومو ثورة العشرين ، ومعارضو الهاشميين وحكوماتِ نوري السعيد هنا كان فهدٌ والناجون من قطار الموت في 1963 هنا كان مظفّر النوّاب وهنا أقمتُ عشرون برج مراقَبةٍ ، تعلو السورَ الماءُ يأتي في صهاريج سيّاراتٍ ، تقطع صهدَ الباديةِ ، لتمنحنا ماءَ الحياةِ ، عبرَ أنبوبٍ يُدَسُّ في فتحةٍ أسفلَ السورِ كان وعدُ الله يحيى ، بجانبي ، لحظةَ وصولِ الماءِ... في الصباحِ سوف يأخذون وعدَ الله يحيى إلى بغداد ، لـيُشــنَقَ مديرُ السجن، التركمانيّ ، سيأتي في جولة تفتيشٍ علينا أن نلزمَ رَدهاتِنا قال لنا رفاقُنا : نستقبلُه واقفينَ * أحياناً أذهبُ إلى القلعةِ القديمةِ ، المهجورةِ الآنَ إنها النزهةُ الوحيدةُ في المساء ، تبدو النجومُ أشدَّ سطوعاً من مصابيح السجن * أتذكّــرُ أنني كتبتُ في أواخر الستينيات قصيدةً بعنوان " قصيدة وفاءٍ إلى نـقرة السلمان " بعد أن قيل إن السجن أُغلِقَ نهائياً الأمرُ لم يحدُث البتّةَ كانت " نقرة السلمان " مثل استراحةِ المحارِب نبلُغـها كما نبْلغ واحةً بعد رحلة العذاب والتعذيب
|