مائة عامٍ من الإستعمـــار |
|
لم يتمتع العراقيون طويلاً بنشوة زوال الطاغوت الذي أثخنَ أجسادَهم وأرواحَـهم بالجراح ، وأثخنَ أرضَ العراق بالمقابر والسموم ، في الأعوام الثلاثين المدوّنة عنواناً عريضاً للجريمة على امتداد تاريخ البلاد بإطلاقٍ . أقول: لم يتمتع العراقيون طويلاً حتى بالوهم ؛ إذ بعد التاسع من نيسان بشهرٍ واحدٍ تقريباً ، أعلنَ مجلس الأمن الدولي أن العراق بلدٌ محتلُّ تتولّـى المسؤوليةَ فيه القوّاتُ الأميركية والبريطانية .
لقد شُـطِـبَ البلد ، Deleted ، بلغة الكومبيوتر ، ولم يعد عضواً في الأمم المتحدة أو جامعة الدول العربية أو أي هيئة سواء كانت دولية أو إقليمية أو عربية ؛ أمّـا الحديث عن المستقبل السياسي المنظور فلا يزال يدور في حدود توليفةٍ محليةٍ تسدي النصح إلى المحتلين . وعلى غير المعهود بعد انتهاء الحروب ، لم يبدأ التخفيفُ من عديد القوّات المحتلة ، وإنما جرى تدعيمُ هذه القوات بوحداتٍ جديدةٍ ، وكان استتبابُ الأمن والنظام هو المبرر المعلَـن لهذا التدعيم . وفي هذه الظروف ظلت مسألة النفط وعودته إلى الأسواق الهاجسَ الأكثر إلحاحاً من سواها ، والأمرُ مفهومٌ . * * * من حقّ المرء أن يشعر بنوعٍ من الإحباط إزاء الأداء السياسي / الثقافي للنخبة العراقية الطافية على السطح ، فهذه " النخبة " في توصيفها الأكثر اعتدالاً ، هي وهميّــةٌ حقّـاً : باحثٌ بلا كتاب . ناقدٌ بلا كتاب. شاعرٌ تجاوزَ السبعين ولم ينشر من المَـتْـن الشعري ما يتجاوز سبعين صفحةً . " قائد" حزبٍ بلا حزب . منظمة حقوق إنسان ظلّتْ تقدم تقاريرها إلى أجهزة صدام حسين . " يساريّ" تعتمده أجهزةُ البلد المضيفِ عيناً لها … إلخ. ولأنّ الإحتلال يعرف ما يريد ولتوهّـمه أننا نجهل ما يريد استقبلَ ، لكنْ ( بحفاوةٍ متحفِّـظةٍ ) ، متطوِّعي تقديمِ الخدماتِ ، من هؤلاء ، وفضّـلَ عليهم عملاءه الذين أعدّهــم منذ زمانٍ في بلد " المتروبول" . جوني أبو زيد ، إذاً ، لا وفيق السامرائي . وإياد علاّوي ، لا فالح عبد الجبار أو مهدي الحافظ . * * * الحضارة الغربية ( أوربا و أميركا ) الآن ، قائمةٌ على استهلاك الطاقة ، طاقة أمِّـنا الأرض : البترول . ولأنّ البترول آيلٌ إلى الزوال ، بعد مائة عامٍ ، فإن إدامة الحضارة المتسيدة تقتضي السيطرة على الموارد البترولية سيطرةً كاملةً ، حتى التوصّـل إلى الطاقة البديلة . من هنا ، سيدوم استعمار العراق ، تحت واجهاتٍ شتى ، قرناً كاملاً ، ينتهي بنضوب آخر قطرةٍ من هذا السائل المعتصَـر من كائناتٍ منقرضةٍ ، آخرُها نحن … * * * هل الصورة كالحةٌ إلى هذا الحدّ ؟ هي كذلك . إلاّ أن كل شيء قابلٌ للحراك … أقول هذا ، وأنا مستاءٌ من الضيق الذي يشعر به متطوعون معينون إزاء ظواهرَ أوّليّــةٍ ، تؤشِّــرُ إلى مقاومة هذا المصير المغلق . ترى ، هل استتبابُ الأمرِ للمحتلّ ، هو الهدف الآنيّ ؟ إنه الهدف الآنيّ للمستعمِــر طبعاً . لكنه ليس الهدفَ الآنيَّ للعراقيّ المستعمَـــر . وللذين ضعفتْ ذاكرتُـهم لأسبابٍ يعرفونها هم خيراً مني ، أقولُ : ألم يكن الحالُ هكذا في ثورة العشرين ؟ لندن 4 /6 / 2003
|
اخر تحديث الثلاثاء, 16 مارس/آذار 2010 11:40 |