بيتر سيموندز ترجمة وإعداد : سعدي يوسف في السادس عشر من آب ، ظهر مقالٌ غريبٌ في النيويورك تايمز ، يتناول اجتماعاً خاصاً على مستوىً عالٍ ، في البنتاغون ، حول استراتيجية الولايات المتحدة في العراق ، عُـقِدَ الأسبوعَ الماضي . وقد بيّنَ الرئيس بوش ، الذي حضرالاجتماع مع أركان حربه و " خبراء منتقَين " من خارج الدائرة الرسمية ، امتعاضَه الشديد من الحكومة العراقية الجديدة – والشعب العراقي – لأنهما لم يبديا مساندةً أكثر لسياسات الولايات المتحدة . " عموماً ، قال الحاضرون إن الرئيس عبّرَ عن شعورٍ بالاحباط لأن العراقيين لم يقدِّروا تضحيات الولايات المتحدة في العراق ، مبدياً الدهشةَ من أن المظاهرة المعادية لأميركا ، والمؤيدة لحزب الله ، كانت بذلك الحجم الجماهيري " . في الاحتجاج الغاضب ، يوم الرابع من آب ، ضد الهجوم الاسرائيلي على لبنان المؤيَّد من أميركا ، حضر مائة ألف شخص من العاصمة ومدنٍ عراقيةٍ أخرى . مقال النيويورك تايمز الذي يحمل كل بصمات القصص المعَـدّة ، لم يتحدث صراحةً عن انقلابٍ على المالكي . لكنه يشكل تهديداً واضحاً لنظام بغداد بأن أيامه صارت معدودةً إن لم يسِــر على السكّــة الأميركية تماماً . بعد هذا التقرير نشرت النيويورك تايمز في السابع عشر من آب حصيلةً لوزارة الدفاع عن الكارثة في العراق : عبوات جانب الطريق التي تستهدف بصورة رئيسةٍ الأميركيين بلغ عددها 2625 في شهر تموز مقارنةً بـ 1445 في شهر كانون ثان . وقد أبلغ موظفٌ كبيرٌ في وزارة الدفاع الصحيفةَ " صار التمرد أسوأ بكل المقاييس ، وبلغت هجمات المتمردين مستوىً تاريخياً عالياً . يحظى التمرد بتأييد شعبي أكثر ، وهو الآن أقدرُ في عدد النشطاء وفي توجيه العنف نحو أي نقطةٍ يشاء ، وفي الوقت الذي يشــاء " . ويكمن تحت استخلاصات المقال الاعترافُ المدهش لأحد حضور اجتماع البنتاغون بأن موظفي إدارة بوش شرعوا فعلاً بالتخطيط لفترة ما بعد المالكي . قال خبير عسكريّ ما للنيويورك تايمز : أخبرني موظفون كبارٌ في الإدارة أنهم يدرسون بدائل غير الديمقراطية . كاذبةًً كانت محاولات الإدارة الأميركية إضفاء " الديمقراطية " على احتلالها غير المشروع للعراق . منذ غزو 2003 كانت للأميركيين اليد المباشرة في الترتيبات الدستورية وتوجيه الانتخابات وتشكيل الوزارات . ولم يأتِ المالكي رئيساً للوزراء في أيار إلاّ بعد حملةٍ متواصلةٍ من البيت الأبيض لإزاحة سلفه ابراهيم الجعفري . الحديث عن " دراسة بدائل غير الديمقراطية " ليس له إلا معنىً واحد – إدارة بوش تعدّ خططاً لإلغاء الدستور ، وإزاحة المالكي ، والمجيء بنظامٍ يأتمر تماماً بما تمليه واشنطن . هل تهيّء الولايات المتحدة انقلاباً في العراق ؟ ليست هذه هي المرة الأولى التي تزيح فيها الولايات المتحدة صنائعَها . في 1963 ، حين بدأت السياسة الأميركية تترنح في فيتنام ، أعطت إدارة كنيدي الضوء الأخضر للمتآمرين العسكريين ، كي يطيحوا رئيسَ فيتنام الجنوبية نغو دين دييم . كان موالياً للولايات المتحدة ، لكن وسائله الأوتوقراطية أثارت معارضة شعبية وعرقلت جهود الولايات المتحدة في تقوية جيش فيتنام الجنوبية في الحرب ضد جبهة التحرير الوطني . في الأول من تشرين ثاني 1963 سارت وحدات عسكرية متمردة إلى القصر الجمهوري في سايغون . أمّا دييم الذي هرب من القصر فقد اتصل بالسفيرالأميركي آنذاك ، هنري كابوت لودج ، فطمأنه هذا إلى أن ليس للولايات المتحدة دخلٌ في الانقلاب ، وعبّر عن اهتمامه بسلامته . بعد ساعات ، من التطمين ، استسلم نغو دين دييم ، ليُعدَم بالرصاص مع أخيه الشنيع نغو دين نهو ، ولتحكمَ طغمةٌ عسكريةٌ البلادَ . للولايات المتحدة أسبابٌ كثيرةٌ للتخلص من المالكي . منها أن سياستها المتخبطة قد أجبرتها على اعتماد حكومة ائتلافية تسيطر عليها الأحزاب الشيعية ذات العلائق الوثيقة المديدة مع طهران . كما تبيّن خطلُ الحسابات الأميركية من أن حكومة " الوحدة الوطنية " للمالكي سوف تقمع المقاومة وتوقف الانحدار إلى الحرب الأهلية . وبالضد من ذلك اضطرت الولايات المتحدة إلى إرسال المزيد من الجنود إلى بغداد في محاولة يائسةٍ للسيطرة على العاصمة . إزاحة المالكي ، وفرض نظامٍ عسكري مطيعٍ ، سيساعدان إدارة بوش في المدى القصير ، في الأقل ، وذلك بتشديد القمع الوحشي ، وتأمين العراق ، قاعدةً لاستفزازاتٍ جديدةٍ ضد إيران وسوريا . لكنّ انقلاباً عسكرياً في بغداد لن ينقذ البيت الأبيض من ورطته ، مثل ما لم ينقذ الانقلابُ على نغو دين دييم في 1963 ، الولاياتِ المتحدة ، من الغرق أكثر فأكثر في المستنقع السياسي والعسكري |
|
ســعدي يوســف في الرابع والعشرين من تموز 2003 ، كتبتُ تحت عنوان " المجلس الأعلى لثقافة الاحتلال " ، ما أجتزيءُ منه مقتطَفاً : بريمر الثالث ، ملك العراق ، الفاشل ، إلاّ في قتل العراقيين ، أصدرَ أمره ، إلى أتباعه أساساً ، من بعثيين سابقين ، وشيوعيين مرتدّين ، وفالاشا ، وأميركيين ذوي أصولٍ ، بتشكيل " المجلس الأعلى للثقافة " . ربما كان دافع بريمر الثالث أن يُظهِر أن له اهتماماتٍ أخرى غير قتل العراقيين ، لكنّ حيثيات مجلسه الأعلى و " شخصياته " ، تؤدي بنا إلى الاعتقاد بأن هذا المخلوق يواصل عملية القتل ، قتل العراقيين ، ثقافياً ، هذه المرّة . بريمر الثالث ، لم يكتفِ باختيار أعضاء المجلس من بين المقيمين في فنادق المارينز البغدادية ، غير القادرين ثقافياً ، بل غير القادرين حتى على مغادرة غرف الفندق خوفاً من الناس ، بل مضى إلى أن يضع على رؤوس هؤلاء ، الخانعين أساساً ، ذوي العشرة آلاف دولارٍ شهرياً ( سأذكر أسماءهم لاحقاً ) شخصاً معروفاً بجذوره في العالم السفليّ : أميركيّ الجنسية ، بعثياً سابقاً . والحقُّ يقالُ إن هذا المجلس " الأعلى " خيّبَ ، منذ اللحظة الأولى ، آمالَ السيد بريمر في التضليل الثقافي ، إذ أن أعضاء المجلس ، وهم أساساً ، لصوصٌ محترفون ، من خريجي الجهات الأمنية في الشرق والغرب ، أعلنوا أن من مهمّــاتهم الأولى ، والأشدّ إلحاحاً ، الاتصال بالجهات الدولية المانحة ، بُغيةَ تمويلٍ ما لإعادة المثقفين العراقيين إلى بلدهم بعد طول اغترابٍ . عجباً ! * العجيب في ما جرى قبل أيامٍ في عمّان ، أن الشخص المعروف إياه ، ربيب بريمر والعالم السفليّ ... كان الراقص الأول بين مغنياته وراقصاته اللواتي جاء بهنّ ، محتفلاً بمجازر أطفال لبنان . ألغى الأردنيون مهرجان جرش ، لكنّ ربيب بريمر كان يحتفل . والأعجب من هذا كله أن غالبية الحضور كانوا من شبكته التي عملَ طويلاً ، منذ 1991 ، على إدارتها ، وتجنيد عناصرها ، وربط هؤلاء العناصر بقوائم قبضٍ ، لإخراس أصواتهم ، كمثقفين وطنيين ، إلى الأبد ، مثل ما شهدنا . مؤلمٌ جداً أن غالبية الحضور هم من الشيوعيين بهذا القدر أو ذاك . * إذاً ، ليست مصادفةً أن ينضمّ إلى طيور عمّان ، وزيران شيوعيان سابقان ، ووكيل وزارة ( ممثلاً للســيد الخامنئي ) ... الشبكة واسعةٌ ، مثل رحمة الله ! لندن 24.7.2006 |
|
|
|
<< البداية < السابق 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 التالى > النهاية >>
|
Page 26 of 31 |