|
الصــمْــتُ |
|
|
لم تسمعْ موسيقى حتى الآن ( الساعة عاشرةٌ صبحاً ) لا المذياعُ ولا القُرصُ الـمُـدْمَجُ لا الهاتفُ حتى الهارمونيكا الألمانيةُ لم تلمُسْ شفتَيكَ ... وأشجارُ الدُّلْبِ انصرفَتْ عنها الريحُ إلى جهةٍ أخرى . والساحةُ مقفرةٌ والأغصانُ ، وقد كانت مزهرةً دوماً بالطيرِ الصادحِ ، قد عَرِيَتْ . مطرٌ كان يَنِثُّ رذاذاً مطرٌ ليس يُرى مطرٌ ليس له صوتٌ ... وهوائيُّ التلفزيونِ ، قبالةَ شُبّاككَ ، يوشكُ أن ينحلَّ فيدخلَ في الغيمِ ( الساعةُ عاشرةٌ صبحاً ) لَكأنكَ ، منذ الآن ، تحاولُ أن تغمضَ عينيكَ تحاولُ أن تدخلَ في نبعِ بياضٍ لَـدِنٍ ... .......................... .......................... .......................... لكنّ أزيزاً كأزيزِ النحلِ الأمازونيّ تَدافَعَ في رأسكَ كان أزيزاً حملتْهُ فَراشاتُ الأنديزِ إلى رأسِكَ ناياتِ رُعاةِ القرغيزِ أزيزَ الجُندُبِ زاراً في جبلِ النُّوبانِ وصَلْياتِ رصاصٍ في البصرة ! لندن 13.05.2007 |
|
وَضُــوءٌ |
|
|
أمشي تحت المطرِ القطَراتُ تسيلُ على قبّعَتي الجِلْدِ السوداءِ وتلمُسُ وجهي بأناملَ باردةٍ ... كان شميمُ لُبانٍ وبَخورٍ يأتي من جهةِ الصفصافِ بُحَيرةُ نيسانَ دُخانُ المركبِ يعلو في الجوّ المثقَلِ نعسانَ وئيداً يتلوّى ، وأنا أمشي تحتَ المطرِ الماءُ يُغَلْغِلُ أسراراً وخرائطَ من ورقٍ بُنِّـيٍّ تحت قميصي القُطنِ . الماءُ يُسَـوِّرُني ... ....................... ....................... ....................... لن أفتحَ في وجه الماءِ مِظَــلّـةْ ! لندن 15.05.2007 |
مُــراقَــبَــةٌ |
|
|
كان الرجل الأعمى يجلس في ركنِ الحانةِ تحتَ جهازِ التلفزيونِ تماماً . للرجلِ الأعمى وجهٌ نضِرٌ ويدانِ ، كباطنِ كفِّ القطةِ ، ناعمتانِ وكان أنيقاً في مَـلْبسِهِ ، شأنَ الفنانين الفقراءِ . الرجلُ الأعمى كان يدير أصابعَه اللدْنةَ كي يمسكَ كأسَ البيرةِ محترَماً وخبيراً ، ثم يعيدُ الكأسَ إلى موضعِهِ فوقَ مُرَبَّعِ بيرةِ Foster's والحانةُ قد شرعتْ تصخبُ والظُّـــهْـرُ ، هنا ، رطبٌ ولذيذٌ ... والرجلُ الأعمى تحت جهاز التلفزيون تماماً ينصتُ للأخبارِ : فريقٌ إيرلنديٌّ ضدّ فريقٍ اسكتلنديٍّ ... وفريقٌ ... وإلخ ... كان اثنان من الروّادِ يقولانِ كلاماً عن مانشستَر . هبَّ الرجل الأعمى ، كالملدوغِ ، يصيحُ : سيخسرُ ! حتماً يخســرُ ! لم يسمعْه الرجلانِ ... فقد فتحا بابَ الحانةِ ، متّجهَينِ إلى الشارعِ لكنّ الرجل الأعمى ظلَّ يصيحُ : سيخسرُ ! حتماً يخســر ! * لم يضحكْ أحدٌ . لم يسمعْ أحدٌ . لكنّ الرجل الأعمى كان سعيداً . كان يدير أصابعَهُ اللدْنةَ كي يمسكَ كأسَ البيرةِ مرتشفاً ، كالطفلِ ، سعادتَــهُ ! لندن 17.05.2007 |
|
ثــلاثــةُ أيّــامٍ |
|
|
اليوم الأول ربما كنتُ أنـفِضُ عن هــُدْبيَ الثلجَ . كان البياضُ العميمُ يساوي السماواتِ والأرضَ . والنبْتَ والـخـَبْتَ . ما كنتُ أقدِرُ أن أتـمَـيّزَ فارعـةَ الدُّلْبِ عن دوحةِ الكســتناءِ . الطريقُ التي كنتُ أعرفُ لم تــَعـُدِ اليومَ تـلكَ الطريقَ . المدى الأبيضُ امتدَّ وامتَدَّ حتى توارتْ تضاريسُ قريتِنا . قيلَ إن الثعالبَ قد تظهر الآنَ ، إن قـــطيعَ الذئابِ على عَتْبةِ البابِ . أرهفْتُ ســمعيَ : وووووووووووو . وأرهفتُ سمعيَ : ووووووووووو. سوف أُوقِدُ ناري إذا عسْعَسَ الليلُ . بابي حديدٌ . وفُـوَّهةُ البندقيةِ حِصْني الحصين . اليوم الثاني لم يـَجـِئْنا قطيعُ الذئابِ . الرجـالُ يقولون إن الذئـابَ التي أتْـخَمَـتْها خرافُ المـراعي ستذهب نحو الكهوفِ القريبةِ . قـد تسألينَ : وأيـّانَ تأتي إلينا ؟ أقولُ لكِ الــحَقَّ : إني أراها هنا الآنَ . إني أراها هنا تخْمِشُ البابَ . هل تسمعين صـــريرَ المخالبِ فوقَ الـحديد؟ وقضقضةَ الـعُصْـلِ ... تلكَ النيوبَ التي سوف تنهشُ طفلاً لنا ، أوّلاً ، قبلَ أن تـــغتذي لحمَــنا الـمُـرَّ ؟ لا تسألي ، واهدأي . هَيِّـئي الخبزَ والماءَ والتينَ . أغطيةَ الصـــوفِ . صفَّ الرصاصِ . الضِّمادَ . الذئابُ التي تخمشُ البابَ لن تدخلَ البيتَ . حتى لو استعرَتْ بالجنون. اليوم الثالث أيُّ طَرْقٍ على البابِ ؟ أعرفُ أنّ المخالبَ تخمشُ ... لكنني أسمعُ الطَّرْقَ يشتدُّ ، حتى كأنّ المطارقَ تنهالُ . أسمعُ ما يجعلُ القلبَ يرجِفُ . هذا هديرُ الرجالِ الأُلى استذأبوا ، لا عواءُ الذئابِ . اقفِزي أنتِ يا امرأتي ، عبـرَ ســورِ الحديقةِ ، ولْتأخُذي معكِ الطفلَ . باقٍ أنا . أتحصَّـنُ بالنفسِ لا بالنفيسِ . فإنْ خُلِعَ البابُ أو هُدِمَ البيتُ صرتُ الجدارَ الأخيرَ ... اذهَبي ، أنتِ والطفلَ ، ولْـتُبْـلِغي كلَّ أهلِ القرى أنني في الكمين ... لندن 19.05.2007 |
البازنِـيـنُـو The Dragonfly |
|
|
يجيءُ مع الصيفِ ، في أوّلِ الصيفِ ، مثل الفُجاءاتِ في عالَمٍ ألِفَ الشمسَ غائمةً ، والجداولَ نائمةً ، والحياةَ احتضاراً طويلاً . يجيءُ ، وليس له غير أجنحةٍ كالمرايا الشفيفاتِ . أجنحةٍ كفصولِ الطبيعةِ ، أربعةٍ . غير أنّ المرايا تشِفُّ إلى أن ترى النـورَ في عُمقِها البَضِّ يغدو خطوطــاً من الوهمِ . في الجدولِ ، الماءُ منزلِقٌ . والشجَيراتُ تلعبُ ، مقلوبةً فيهِ . هَـفّةُ حُلْمٍ ... ويندفعُ البازنينو على المــاءِ . ليس على الماءِ . ينزلقُ البازنينو على الماءِ . ليس على الماءِ . صار الهواءُ هو الماء . والماءُ صارَ هواءً . ويندفعُ البازنينو ، فتَرجِفُ تلكَ الشجيراتُ مقلوبةً . ثّمَّ أجنحةٌ ، كفصولِ الطبيعةِ ، أربعةٌ ، تجعلُ الكونَ مرتعشـاً . تجعلُ الكونَ ما لم يكُنْ أبداً . إنه البازنينو على اللوحةِ الهندسيةِ ، أزرقَ ، أبيضَ ، رؤيا زجاجٍ مَسيلٍ تطيرُ مع الريحِ . والبازنينو مع الريحِ ، أقوى من النّســرِ ، أســرعَ . والبازنينو له الحُلمُ وَكْنٌ . سيصحبنا البازنينو إلى أن نريحَ رؤؤساً مُدَوَّخـةً فوق ريشِ الـمخدّةِ . إذّاكَ يأتي لنا البازنينو ، فيأخذنا نحو نجمٍ بعيدٍ ، ويتركُنـــا في نديفٍ شفيفٍ ننــــام ! * ليس للبازنينو كلام ... ليس للبازنينو مقامٌ ، ولا منزلٌ . ليس للبازنينو من الوزنِ ما تملكُ الريشةُ ... البازنينو هو المنتهى حين تنعتقُ الروحُ من كل هذا الزِّحام ... لندن 24.05.2007 ------------------------- * البازنينو بالدارجة العراقية الجنوبية ، وهو اليعسوب . |
|
|
|
<< البداية < السابق 1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 التالى > النهاية >>
|
Page 10 of 13 |