ســعدي يوســف
كان ذلك في العام 2004 .
آنَــها انعقدَ في العاصمةِ الفنزويلية كاراكاس ، أولُ مهرجانٍ عالميّ
للشِعر.
كنتُ ، كما أنا الآن ، في لندن . لستُ أدري كيف وصلتْني الدعوة . على أيّ
حالٍ ذهبتُ إلى سفارة " جمهورية فنزويلا البوليفارية الثورية " ، وهذا هو
الاسم الرسميّ لفنزويلا ، وحصلتُ على تأشيرة الدخول بدون عناءٍ أو تأخير.
في مطار هيثرو اللندنيّ التقيتُ بمحمد بنّيس قادماً من المغرب ، وبعبّاس
بيضون قادماً من بيروت . الإثنان مدعوّان.
لم أكن زرتُ فنزويلا من قبلُ ، لكنّ صديقاً سوريّاً ، هو ، عـبدو زوغير ،
من ضيعة إسقبولي ، بـأرباضِ طرطوس ، كان يحدِّثني عن تلك البلاد بإعجابٍ ،
وأظنه الآن مقيماً هناك بعد حصوله على الجنسية الفنزويلية.
بعد طيرانِ ليلٍ طويلٍ ، هبطنا في مطار كاراكاس ، وكان شخصٌ من السفارة
المغربية في استقبال محـــمد بنّيس ( رئيس بيت الشِعر آنذاك ) الشاعـر
دوماً .
* لم نستطع أن نحضر حفل الإفتتاح ، بسببٍ من ظروف الرحلة. لكننا انغمرْنا ، مباشــرةً ، في أجواء المهرجان. لا أريد ، وأنا في سياقٍ آخر ، أن أتحدّث عن مهرجان الشعر وتفاصيله ، وقد أفعلُ هذا في مناسبةٍ ما . * المرة الأولى التي رأيتُ فيها الرئيس الفنزويليّ عن كثَبٍ كانت في لقاءٍ عامٍّ له مع الكتّابِ الفنزويليين والشعراء المدعوّين . " اتحاد الأدباء الفنزويليّ ) قاطَعَ المهرجان. كان شافيز يتبادل الرأي مع مثقفي بلده ، في جوٍّ من الصراحةِ والودّ ، والدعابة أحياناً. زين العابدين فؤاد ( من مصر ) ، كان المتكلم الوحيد بيننا ، نحن العرب ، وقد اقترحَ على شافيز ( بلسانٍ غيرِ مُبِـينٍ ) ، مشروعَ " قافلة الشِعر " ، كي نجوب أميركا اللاتينية . كان عرفَ تجربةً كهذه في السنغال. لكنّ الأمر مستحيلٌ تماماً في أميركا اللاتينية . إن البرازيل وحدَها تحتاج إلى أعوامٍ كي تتمَّ قافلةُ الشِعرِ طوافَها هناك! على أي حالٍ ، أعجبَ الإقتراحُ شافيز ... ظاهراً . أمّا التنفيذُ ! * قبيل اختتام أنشطةِ المهرجان ، تلقّيتُ دعوةً للعشاء في القصر الجمهوريّ . لم أكن المدعوَّ الوحيد ، طبعاً ...
أُخِذْنا إلى القصر الجمهوريّ ، في سيّاراتٍ ليست عصبيةَ السائقين . كاراكاس ، مثل بيروت ، والجزائر العاصمة ، ليست مدينةً مسطّحةً. أعتقدُ أن القصر الجمهوريّ كان على هضْبةٍ هـيِّــنةٍ . ليس في بناء القصر الجمهوريّ ما يجعل المرء يتقازَمُ . القصرُ عاديّ . المعمارُ أقربُ إلى الموريسكو هسبانيول ، ذلك الذي فضّله ، وبشَّـرَ به ، رسميّاً ، ونَـفّـذهُ ، فاتحو القارة الجديدة من الإسبان . أُخِذْنا إلى فِناءٍ ذي سقيفةٍ ، مطِلٍّ على حديقةٍ داخليّةٍ . ثمّتَ عشرُ موائدَ أو نحوُها . كان العشاء بسيطاً ، أقربَ إلى الـمَطْـعَـمـةِ الفرنسيةِ. بعد أن طَعِمْنا ، ومع القهوةِ ، شــرعَ الرئيسُ شافيز يجالسُ المدعوِّينَ ، مائدةً بعد أخرى. انتهى إلى مائدتِنا . كانت معنا سيدةٌ شاعرةٌ ، من أصلٍ لبنانيّ ، تعملُ معلِّـمةً في إحدى الولاياتِ بفنزويلا ، وقد تكفّلتْ بالترجمة من العربية إلى الإسبانية. الرجلُ محتفٍ ، بسيطٌ ، متدفقُ الحيويّةِ . قدّمتْني السيدةُ اللبنانيةُ . تهَـلَّـلَ وجهُه . قالَ : أنا مع الشعب العراقيّ في محنتِه . أنا واثقٌ من أن شعبك سيقهرُ الاحتلال . أين تعيش الآن؟ أرجو أن تعتبر فنزويلا بلدَك الثاني . إنْ ضايقَك أحدٌ فما عليك إلاّ إخباري عن طريق سفارتنا … أنا كنتُ في بغداد . ( شافيز زار بغداد قُبَيلَ أن يمسي العراقُ مستعمرةً أميركيةً في 2003 ، وعليّ القولُ إن العراق في 1960 ، أيّام عبد الكريم قاسم ، أسّسَ مع فنزويلا منظمة الدول المصدِّرة للنفط " أوبك " ). الشعبُ العراقيّ ، شعبُكَ ، سوف يقهرُ الاحتلالُ ، وسوف يعود العراقُ حرّاً . لا تنسَ ! فنزويلا هي بلدك الثاني … * فنزويلا ، قمّةُ همبولد الرفيعةُ في جبال الأنديز ، حيث آلهةُ الهنود القديمة . فنزويلا ، حيث يبدأ الأمازون العظيم … فنزويلا الجمهورية الثورية البوليفاريّة .
لندن 13.03.2010
|