سعدي يوسف كان على بريمر أن يفعل ما يشبه المستحيل ، ليُقِيمَ أطرافَ معادلتِه : برلمان يختار حكومة . كان يريد هذا ، فقط ، يريد العبارة فقط ، ليضع العبارة في فم رئيسه جورج دبليو بوش ، و بين الشفتين الغليظتين لكوندوليزا رايس . اختار المكسيك ، أوّلاً ، مكاناً يدرِّبُ فيه جواسيسه ومزوِّريه ، على تلفيق الإنتخابات في العراق . والمعروف عالمياً أن المكسيك لم تجرِ فيها انتخاباتٌ حرّة طوال تاريخها الحديث ، الذي تلا الحرب الأميركية – المكسيكية . كانت المكسيك مدرسةً أصيلةً لتخطيط وتزوير العملية الانتخابية . وقد تخرّجَ في هذه المدرسة ، وبنجاحٍ فائقٍ ، أعضاءُ ما يسمّى الهيئة المستقلة للانتخابات في العراق ، إن كان هذا اسمها الدقيق . وبعد أن تخرّجَ هؤلاء ، نُقِلوا بالطائرات العسكرية الأميركية إلى المنطقة الخضراء ، وقد أصدر بريمر أوامره المباشرة بتعيينهم ، واجهةً يتستّر وراءها جيشٌ أميركيٌّ كاملٌ من فقهاء التزوير ، ومدبِّري الصفقات والمكائد . أمّا " المرشّحون " فلقد تمّ اختيارُهم بعد تدقيق وتمحيصٍ ، وموافقةٍ شخصيةٍ من بريمر . وهكذا ، وجدنا أمامَنا ، مِسْخاً يثير السخريةَ أكثر ممّا يثير الرثاء أو الغضب . وجدنا أمامَنا مَن لا يعرفون إلاّ قولَ " نعم ... " جهيرةً ، أو خفيضةً . وجدنا أمامَنا عرساً لبنات آوى ، عرساً دائماً ، بينما الشعبُ العراقيّ يُقتَل ، ويُغتصَب ، وتباعُ ثروتُه وأرضُه ، ويُهَدُّ كيانُـه ، وتُستباحُ حرُماتُ ترابه الوطنيّ . يَحْدُثُ هذا كلُّــه ، مع تلك الـ " نَعَم " الكريهة التي تمسّكَ بها نوّابُ بريمر ، حتى لكأنها العروة الوثقى . واليوم ، إذ تصلُ النارُ إلى حومة الدار ، حيث كانت تقام أعراسُ بناتِ آوى ، فإن المرء ليشعر ، حقاً ، بالرثاء ، لأولئك البائسين الذين ارتضَوا لأنفسهم هذا المصير الذي لا يحسدُهم عليه أحد . لندن 12.04.2007
|