سعدي يوسف الضبابُ يرخي سدولَه على العاصمة الإمبراطورية ، وهي سدولٌ صفيقةٌ ، لم يعهدْها الناسُ منذ أمدٍ ، وقد كلّفتْهم من أمرِهم شططاً ؛ فالذين خطّطوا لرحلةٍ بالطائرة إلى بلدانٍ تطلُّ فيها الشمسُ على بني آدم ، فوجئوا بالرحلةِ / الحلْمِ وقد أُجِّلتْ ، والذين اكتفَوا بالقليل ِ ، أي بالرحلةِ في الداخل ، داخل المملكة المتحدة ِ ، فوجئوا بأن الطرق السالكة لم تعُدْ سالكةً ... الضباب ، الضباب ، الضباب ... لكنْ ، إنْ كانت الطبيعةُ قد ألغزت الأمورَ هنا ، فإن السياسةَ لم تُلغِز الأمورَ هناك ، فهاهو ذا رئيس الوزراء البريطاني يحرِّض ، في دُبَيّ ،شيوخاً ، وأبناءَ شيوخٍ ، مرعوبين ، على مجابهة إيران . المفارَقةُ هي في اعتماد الاحتلال ، داخل العراق المستعمرةِ ، ما يدعو الشبّانَ من أبناء الشيوخ المرتعبين في دُبَيّ ، إلى مواجهته . الاحتلال في العراق ، اعتمدَ مؤسسةً دينيةً متواطئة ، رجعيةً ، ومتخلِّفة ، وفاسدةً ، قاعدةً محليةً له . والحقُّ أن هذه المؤسسة الدينية المتواطئة ، الفاسدة ، فعلتْ ما لم يفعله أحدٌ ، طوال تاريخ الإسلام : هؤلاء الأوباشُ ، أعلنوا جهاراً نهاراً : ولايةَ الذمّيّ ! ليس من ولايةِ فقيهٍ في العراق . والعلمانيون العراقيون يرتكبون خطأً فاحشاً حين يتصوّرون ذلك ... ربّما فهموا الأمر على حقيقته ، لكنهم أجبنُ من أن يعلنوا الحقيقة . هكذا يتسلّونَ بإدامةِ الحرب الكلامية الجوفاء ، عن ولاية فقيهٍ ، محجمين عن تناول ولاية الذمّيّ القائمة . ربما لأنهم ، هم أيضاً ، يأكلون فُتاتاً زؤاماً من الكعكة المسمومة ، كعكة المحتلّ . في أوائل القرن السادس عشر ، بعد سقوط غرناطة ، بحوالي عقدينِ ، وسيطرة محاكم التفتيش ، وتنصير من تبقّى من مسلمي الأندلس بالقوّة والبطش والتعذيب ، ظلّ المسلمون هناك ، بالرغم من تنصّرهم ، متشبثين بهويتهم ، وبطقوسهم الدينية الأصلية ، يؤدّونها ســرّاً . لقد هالهم ما هم فيه . أرسلوا رسالةً إلى مفتي وهران ، يستفتونه في حالهم . مفتي وهران ، الذي يدرك تماماً ، هول ما هم فيه ، باعتبار أن وهران ذاتها كانت مرفأ مهاجرين أساساً ، أفتى بولاية الذمّيّ ، حفاظاً على أرواح الناس المساكين ، الذين هم نصارى بالفعل . تلك كانت المرة الأولى التي تخالَفُ فيها القاعدة الفقهية المعروفة ، القاعدةُ البيرقُ: لا ولايةَ لِذمّيّ في الإسلام . * المرة الثانية ، حدثت الآن : المؤسسة الدينية ، الواطئة ، المتواطئة ، الفاسدة ، المفسِــدة ،أعلنت بالقول والفعل والإصرارِ : ولايةَ الذمّيّ ... جورج دبليو بوش ، ولِيّ المسلمين في العراق ! * مَن يتذكر ثورة العشرين ؟ لندن 21.12.2006
|