ســعدي يوســف عملـية التصويت الأخيرة المسمّــاة " انتخاباتٍ " ، كانت مثـل سابقتَــيها ، ذاتَ سقــفٍ حدّدهُ صدّام حسين ؛ أقصدُ من هذا أن مضطهَــدي العهد السابق ، في الطائفة والعِــرْق ، هم الذين فرضوا أنفسَـهم على الحالة ، بوسائل شــتّـى ، لا يمكن حصرُها ، لكنْ لا يمكنُ أيضاً إدراجُها في تنويعات التطبيق الديمقراطي ؛ فالأحزاب الدينية والعِــرقية مـمنوعة من العمل السياسي ، إطلاقاً ، في سائر البلدان العريقة في الممارسة الديمقراطية ، بينما الجماعات التي فرضت نفسَها فرضاً في التصويت الأخير كانت من تلك التي تُـمْــنَعُ مثيلاتُها في المجتمعات الديمقراطية كما أسلفتُ . نحن إذاً ، نعيشُ وننشط ونتناهش ، في فضاء صدّام حسين ، غيرِ الديمقراطيّ : لم نغادرْه ، وإنْ غادرَنا .
وأعتقدُ أن لهذا سبباً واضحاً فريداً . فهذه الأحزاب الدينية والعِـرقية ، لا تملكُ من الحيثيّــة السياسية والأخلاقية غيرَ ما يتّـصلُ بالماضي . وهي عاجزةٌ ، ضمناً ، وبنيوياً ، عن أن تكون في الحاضر أو المستقبل ، أي أنها عاجزةٌ عن فكِّ ارتباطِها بالسقف الذي وضعه صدام حسين ، كما أنها عاجزةٌ عن تقديم نفسِـها بصورة تنافسيّــةٍ حرّةٍ لفرط ما أثقلت به جسدَها ، من صفقاتٍ وارتشاءٍ وفسادٍ ومعاوَنةِ محتلٍ ، ومن قتلٍ و دَهْـمٍ وتعذيبٍ واستيلاءٍ على ممتلكات . وحين أُتيحتْ لها فرصةُ التحكُّمِ بالبلاد والعباد كشّــرتْ عن أنيابٍ أقسى من أنياب المستعمِـر نفسِـه. وهيَ لم تُعْـنَ حتى قليلاً بما قالت إنها منذورةٌ له : فلا كردستان استقلّتْ ( وهذا ما سُجِنْتُ من أجْله ) … ولا الأرضُ مُلِئَتْ عدلاً بعد أن مُلِئَتْ جَوراً ( وهذا ما قُتِلَ وسُجِنَ من أجله الآلافُ المؤلَّــفة ) … لكنّ إدامـةَ السيطرةِ الاستعمارية على العراق ، تشترطُ إدامةَ استخدامِ الجماعاتِ المتعاونة ، حتى لو كان ذلك منافياً التقاليدَ الديمقراطية في المتروبول ذاتِــه . وإلى أن تتغيّـر الخارطة السياسية ، فتولد أحزابٌ وطنيةٌ ليست دينيةً أو عِــرقيةً … سنظل محكومينَ بطرفَي الكمّـاشةِ : الاحتلال وأعوانه . لندن 20/12/2005
|