ترجمة وإعداد : سـعدي يوسـف هارولد بنتر ، المولود ، عام 1930 بلندن ، والحائز هذا العام على جائزة نوبل ، هو الأكثر تدفُّقاً وحضوراً في حركة " الموجة الجديدة " من المسرحيين الذين منحوا المسرح البريطاني حياةً جديدةً في الخمسينيات وأوائل الستينيات ، وهو الآن كما تقول التايمس " أفضل مسرحيٍّ حيٍّ لدينا " . شرعتُ البارحة أُترجِم إحدى مسرحياته ، من غير ذوات الفصل الواحد ، الشهيرة التي قرأتُها في وقتٍ مبكِّــرٍ جداً … المسرحية هي " خيانة" ، Betrayal ، وهي أقربُ إلى مسرح اللامعقول ، لكنّ ما يشدُّها إلى الأرض ملموسٌ ، مريرٌ ، مُـكنّـىً عنه ، لا مُـصـرَّحٌ به … شأن أعماله الأخرى .
مرهَفٌ هو بِـنتَـر ، لكنْ كإرهاف حدّ السيف . هذا العامَ ، كان مقرراً أن أقف معه ، في الساحة العامة ، متكلماً في اجتماعٍ جماهيريّ ضدّ الحرب ، لكني لم أستطع الحضورَ ، لسببٍ لا أتذكّــره الآن . على أي حالٍ … أبعثُ ، تهنئةً صريحةً ، من القلب ، إلى هارولد بنتر ، الفنان ، والمناضل ، والمدافع عن الشعب العراقيّ ، في محنته التي هي ليست كالمِـحَـن . أبعثُ بتهنئتي التي يشاركني فيها الكثير من العراقيين ، إليه ، لمناسبة فوزه بجائزة نوبل . وأقول له : شكراً لكل كلمة حقٍّ نطقتَ بها ! * كلمة هارولد بنتر في حفل تسلُّمه جائزة وِلْـفْـرِدْ أُوِين 18 آذار 2005 إنه لَشرَفٌ حقيقيٌّ . ولفرد أوين كان شاعراً عظيماً . لقد دوّنَ مأساةَ الحرب ورعبَها وتعاستها ، كما لم يفعل شاعرٌ آخر . لكننا لم نتعلّـم شيئاً . إذ بعد حوالي مائة عامٍ من وفاته صار العالم أكثر وحشيةً وقسوةً وظُـلماً . لكن قيل لنا إن " العالم الحرّ " ( ممثَّلاً بالولايات المتحدة وبريطانيا العظمى ) مختلفٌ عن بقية العالم ، لأن ما نفعله مقدّرٌ ومقرَّرٌ أخلاقياً من لَـدُنِ من يدْعى الله . قد يجد أناسٌ صعوبةً في فهم ذلك ، لكن أسامة بن لادِن يجد الأمرَ سهلاً . كيف كان يمكن لأفرد أوين أن يرى احتلال العراق ؟ عمل شُقاةٍ ؟ عملاً صارخاً من إرهاب الدولة يزدري ازدراءً كاملاً بمفهوم القانون الدولي … إنه إجراءٌ عسكريٌّ متعمَّـدٌ ، مبنيٌّ على سلسلة أكاذيب وأكاذيب ، واستغلالٍ شنيعٍ لوسائل الإعلام ، وبالتالي للجمهور . إنه إجراءٌ يُقصَـدُ منه توطيد السيطرة العسكرية والإقتصادية الأميركية في الشرق الأوسط ، بالحجّة الأخيرة ( فقد سقطت كل الحجج الأخرى ) : التحرير . إنه تأكيدٌ هائلٌ على القوة العسكرية المتسببة في مقتل وجرح الآلاف والآلاف من الناس الأبرياء . حصيلةٌ مستقلّـةٌ ، وموضوعيةٌ تماماً ، للقتلى المدنيين ، ظهرت في " لانسَيتْ " ، تقدر القتلى بمائة ألفٍ . لكن الولايات المتحدة والمملكة المتحدة غير معنيّـتَين بإحصاء القتلى العراقيين . وكما قال الجنرال تومي فرانكس (من القيادة المركزية الأميركية ) : " نحن لا نُحصي أجسادَ القتلى " . لقد جئنا بالتعذيب ، والقنابل العنقودية ، واليورانيوم المنضّب ، وما لا يحصى من القتل العشوائي ، والتعاسة ، وإذلال الشعب العراقي ، وسـمَّـينا ذلك " جلب الحرية والديمقراطية إلى الشرق الأوسط " . لكن ، كما يعلم الجميع ، لم نُستقبَـل بالزهور المتوقَّـعة . بل لقد أطـلَـقْــنا مقاومةً شديدةً لا هوادةَ فيها ، وفـوضى عارمةً . قد تتساءل الآنَ : وماذا عن الانتخابات العراقية ؟ لقد أجاب الرئيس بوش بنفسه عن هذا السؤال ، أمس ، حين قال : " لا يمكن أن نتقبّـل أن تكون هناك انتخابات ديمقراطية حرةٌ في بلدٍ تحت الاحتلال الأجنبيّ " . كان عليّ أن أقرأ هذا التصريحَ مرتَينِ لأعرف أنه كان يتكلم عن لبنان وسوريا . ماذا يرى بوش وبلَـير ، حين ينظرانِ إلى صورتَـيهما في الـمرآةِ ؟ أعتقدُ أن وِلفرِد أوين سيشاركنا شعورَنا بالاحتقار والاشمئزاز والعار والرغبة في التقيّــؤ ، من أقوال وأفعال الحكومتين الأميركية والبريطانية . * قصيدة القنابل لم يعُد لدينا المزيد من كلماتٍ تقال كلُّ ما تبقّـى ، القنابل التي تنفجر خارجةً من رؤوسنا . كل ماتبقّـى ، القنابل التي تمتصُّ ما تبقّـى من دمنا . كل ما تبقّـى ، القنابل التي تصقل جماجمَ الموتى . هارولد بنتر
|
اخر تحديث الخميس, 08 نونبر/تشرين ثان 2007 10:23 |