الجمعة, 19 أبريل/نيسان 2024
الرئيسية
سيرة ذاتية
الاعمال الشعرية الكاملة
قصص قصيره
ديوانُ الأنهار الثلاثة
جِـــــــرارٌ بِلونِ الذهب
الحياة في خريطةٍ
عَيشة بِنْت الباشا
قصائـدُ هَـيْـرْفِـيــلْـد التلّ
طـيَـرانُ الـحِـدْأَةِ
الخطوة السابعة
الشــيوعــيّ الأخير فقط ...
أنا بَرلــيـنيّ ؟ : بــانورامـــا
الديوانُ الإيطاليّ
في البراري حيثُ البرق
قصائد مختارة
ديــوانُ صلاة الوثني
ديــوانُ الخطوة الخامسة
ديــوانُ شرفة المنزل الفقير
ديــوانُ حفيد امرىء القيس
ديــوانُ الشــيوعــيّ الأخير
ديــوانُ أغنيةُ صيّــادِ السّمَك
ديوان قصــائدُ نـيـويـورك
قصائد الحديقة العامة
صــورة أنــدريــا
ديــوانُ طَــنْــجـــة
ديوان غرفة شيراز
ديوانُ السُّونَيت
أوراقي في الـمَـهَـبّ
ديوان البنْد
ديوان خريف مكتمل
مقالات في الادب والفن
مقالات في السياسة
أراء ومتابعات
البحث الموسع
English
French
Spain
المتواجدون الان
يوجد حالياً 261 زائر على الخط
فـي ثقــافـة التــحريـــر طباعة البريد الإلكترونى

 الــتَـفَـكُّـرُ  في  الـنّـصْــرِ
فِـكتور سَــيْرْج
ترجمة وإعداد: ســعدي يوســف

" فكتور سيرج ( 1889 – 1947 ) و,لِد في بروكسل لأبوَينِ روسيّـينِ منفيّـينِ ، مولَـعَـينِ بالثقافةِ . كان مساهماً نشِطاً في الحركة الفوضوية بفرنسا  ، وسُـجِنَ بسبب ذلك . التحقَ بالثورة الروسية فورَ اندلاعها ، موزِّعاً جهده بين بتروغراد وموسكو  ، وبرلين حيث ترأسَ تحرير صحيفة " الأممية الشيوعية " . استمرّ في نشاطه الثوري حتى 1933 ، عامِ إبعاده إلى سيبريا بسببٍ من صداقته لتروتسكي ، لكن أُطلِقَ سراحه بعد تدخّلٍ من المثقفين الفرنسيين ، ومن بينهم أندريه جِـيد .

غادرَ روسيا نهائياً ، واشتغلَ فترةً في جنوبيّ فرنسا ، وحين نشبت الحرب العالمية الثانية انتقل إلى المكسيك ، حيث فارقَ الحياة في العام 1947. النصّ الذي نقلـتُـه ، هنا ،  إلى القاريء ،  هو فصلٌ من كتابه ( ميلاد سُـلطتِـنا ) ، يدورُ حول انتفاضة مدينة برشلونة الإسبانية في العام 1917 "
                                                               س. ي
الليل ، خُـطواتُـنا في الليل . أصواتنا ، تلك الأصوات المتوسطية التي ترنّ رنينَ الصّـنوج … صاحَ يوسيبيو :
" هذه أرض اليانصيبات . مَن يرفضُ أن يقامرَ بحياته في يانصيب المتاريس ؟ الواحدُ باثنين ، أو لاشـيء ‍ " .
لم نكن ، أكيداً ، موالين للألمان أو الـحُــلفاء . لكن كل ارتعادٍ بعيدٍ للأرض التي مزّقتْـها القذائفُ ، في السوم ، وآرتوا ، وشامبين أو الميوز ، كان يُـمَـكِّـنُـنا من أن نسمعَ أُسُـسَ العالَـمِ تتداعى . " أي كومونة عظيمةٍ لباريسَ ستولَـد بعد الهزيمة ‍ ‍ " . الفارّون من الجيش ممجّــدون في حكايات عصيانات نيسان بين الجيوش المنهكة في زرقة الأفق . وأكّــدَ آخرون يبدو أنهم أجرأُ : " ستقوم الثورة في ألـمانيا " . والصحف تدّعي يومياً أن ألمانيا والنمسا تعيشان على أغذيةٍ مُـعَـدّةٍ كيمياويّـاً . كومونة فرنسية ، كومونةٌ ألمانيّـةٌ – بعد الكومونة الروسية – وبمقدورنا ، منذ الآن ، أن نلمحَ الراياتِ الحمــرَ خافقةً ، شامخةً ، في المستقبـــل الـمُـلَـبَّــد . من الضروريّ الاقتناع بتلك الثقة الغامضة بالكون ، هذه الثقة التي بدونها تمسي الحياةُ غير ممكنة التصوّر لأي أحدٍ  ذي عينين مفتوحتين . وماذا لو ان دائرة اللامعقول لم تُكْـسَــرْ ؟ ماذا لو اننا ، بعد هذه الحرب ، بعد ملايين القتلى ، بعد أوربا التي فقدت أحشاءها ،  سوف نرى ، ثانيةً ، أيامَ السلامِ ، مع الأعلام
الملوّنةِ المرفرفة على أكوام العظام ؟ هذه المدينة ، هذه البلاد ، جَـرَّمَـتا الحربَ من أعماق الروح . الصحف أخفَتْ ذلك ، فهي كاذبةٌ كلّــها ( ومكاتب دعاوة المتحاربين تمنحها أسباباً جديدةً للكذب ، مطلعَ كلِ شهرٍ ) ، لكنّ الجميع يقولون ذلك . نحن نعيش متوقِّعينَ كارثةً  ستكون في الوقت نفسه ثواباً  ونهوضاً ، واستعادةً للطاقات الإنسانية ، وسبباً جديداً للإيمان بالبشــر . الثورة الروسية ، هي الإشارة الأولى ، التي أحيت الآمال الكونية .
كان كُــوَيــه يحتذي ، أحياناً ،  جزمةَ جنديّ مُشاةٍ ثقيلةً ، تجعل الناسَ في السيارات يشيرون إليه باعتباره فارّاً من الخدمة العسكرية . ومرةً سأله أحدُهم : أأنتَ فارٌّ ؟ أومأَ برأسه إيجاباً  ، وتحدِّياً . قال له الشيخ ذو الملابس الحسنة  ، مرَبِّـتاً على كتفه : " آه ‍ أنت على حقٍّ تماماً ، أيها الشابّ " . وآخَـرُ ابتسمَ موافقاً . وعندما قلتُ لقصّابٍ ، الجوابَ نفسه ( وهو غير حقيقي ) تفادياً لحديثٍ غير ضروري ، مسحَ القصّـابُ ، وكان يقطع اللحمَ ، يدَه نظيفةً ،  ومَـدَّها لي ، بحفاوةٍ …
في المصانع كان العمال يرضون بأسبوع عملٍ أقصرَ ، كي يمنعوا الإدارةَ من الإستغناء عن عمل الفارِّين : أولئك الهاربين ، الذين  انسحبوا بحيواتهم من عاصفة الجبهة ،  فكأنهم كانوا يدافعون عن الحياة نفســها .
وهذه المدينة ، هذه البلاد ، مسالمةٌ ، نشِـطةٌ ، سعيدةٌ ، لذيذةٌ ، ممتدّةٌ على شاطيء بحرٍ أزرقَ متلأليء … إلاّ أنها تنصتُ إلى الأصداء المكتومة لحميمِ المدفعية ، تنصت إلى نبضِ القلب المنهَك لأوربا الجريحة  ، وتعيش على الدم الـمُراق – مرعىً مربِحٌ ‍ . نحن ، جميعاً ، نعمل للحرب . كنا في المصانع ، كلنا ، بقدْرٍ أو بآخر ، عمّالَ حربٍ .
الملابس ، الجلود ، الأحذية ، المعلّـبات ،  القنابل اليدوية ، قِـطَع المكائن ، كل شيء ، حتى الفاكهة – برتقال بَـلَنسِـية ذو الأريج – كل ما صنعتْـه أيدينا ، واشتغلتْ عليه ، أو حوّلتْــه ، قد استنزفتْـه الحربُ . الحربُ البعيدةُ جعلت المصانعَ تُفتَـحُ في هذا البلد المسالِـم  ، ويؤتى لها بعمّـالٍ غالباً ما يجيئون من الحقول المتّـقدة للأندلس ، أو من جبال غاليسيا ، وسهول قسطلةَ الجرداء . الحرب زادت في الأجور . الحرب أطلقت الحُـمّـى الحبيسةَ في أن يعيش الناسُ ويضحكوا ، ويضاجعوا النساء على أرائك متداعية في الغرف الخلفية ، ويشاهدوا الراقصات يعَـرِّينَ أثداءهنّ في الكباريهات . فقد صار ضرورياً ، بعد ضغط العمل ، وفي تلك الحُـمّـى الدائمة للموت والجنون ، أن يحسَّ الـمرءُ بنفســه ، حيّــاً . وإذ يخرج العمالُ من المصانع ، مســاءً ، وقد طووا أكمامَ قمصانهم إلى أعلى ، تُعَساءَ ، لكنْ مفتولي العضَـل … فإنهم لم يجدوا أفضلَ ، مع النقد الذي في جيوبهم ، من أن يشتروا مساءً للسعادة الصّـبيغة – بدون ثقةٍ بالمستقبل ، أو بلا أي أملٍ غير تمرُّدهم المتّـقد ذاك  .
كل مدينةٍ تضمّ‘ مدناً عدّةً . نحن لا نتوغّل داخل المدن الأخرى .ثمّتَ مدينة رجال الأعمال الصيرفيين الذين يُتخِمون أنفسَهم في أرقى المطاعمِ ، ويُمضونَ لياليهم في تعرية مخلوقاتٍ غاليةٍ نلمحُها في السيارات الفارهة . وهناك مدينة القساوسة والرهبان ، والجزويت في أديرَتِـهِـم المحاطة بحدائقَ فسيحةٍ مثل المدن المحصّــنة . مدينة السلطة المخزية بجنرالاتها ذوي النياشين ، وشرطتها المشترَينَ بالمال ، وسجّــانيها ، ومخبريــها . مدينة الكتّـاب والأساتذة والصحافيين – مدينة الجُمَـل مدفوعة الثمن ، والكلمات والأفكار المسمومة . مدينة الجواسيس ، متاهة الألغام والألغام المضادّة ، مدينة المواعيد السريّـة ، والخيانات المتعددة مثل المعادلات متعددة المجاهيل : الاستخبارات العسكرية ، والقنصليات ، الهرّ فرنَـر ،  المعاملات المالية عبر أمستردام ، ماتا هاري وهي تحمل عنواناً في حقيبتها اليدوية ( معادلةٌ أخرى – مساويةٌ تماماً لتلك الرصاصة الأخيرة ، رصاصة الرحمة ، التي ستخترق جمجمتها خلال بضعة شهورٍ ، وهي مشدودةٌ إلى عمودٍ في فانسان )  .
الجواسيس الجوّالونَ ،  يعبرون أحياناً دروبَــنا  ، مستعدِّينَ لسَـلْخِ قوَّتِـنا عاريةً ، مثل ما تُعَـرِّي الديدانُ الجثثَ في ميادين القتال . هم يعرضون مالاً ولا يسألون مقابلاً له : منتهى اللطف ‍‍.  مِـهَــنُ العملاء السريين قد تنشأ أو تذهب مع الإضراب العامّ ، الدمارِ الممكن للصناعات التي هي في خدمة الـمحوَر . غوغاء كاملة منتنة لعالَمٍ سُفليّ تدور حول أطراف عملاقٍ بروليتاريّ يوشك أن يثبَ إلى أمام ، بينما  هم يتصوّرون أنه يتحرّك بإرادتهم ومشيئتهم مثل  دُميةٍ . وإننا لَنضحكُ . أيّ استيقاظٍ شنيعٍ سيعرفونه لو سارت الأمورُ كما ينبغي …
في تلك المدن ، جلبَ دمُ أوربا  وعملُ ثلثمائة ألف عاملٍ ، ربيعاً غريباً من الثراء ، متدفقاً في شبكةٍ من نُهَـيرات الذهب . وإننا بهذا لَـعارفون . هذا من طبيعة الأمور . ويشرحُ داريو المسألةَ قائلاً :
" لم يعودوا يتحمّـلون حُكمَ البيروقراطيين في مدريد ، ولا الزعماء السياسيين في الأقاليم . لن تَسْـلَمَ أموالُهم وأشغالُهم ما دام أهل البلاط العجائز وحاشيتهم التقيّـة ، وكتبَتُهم ذوو الـرُّشـى المبتدئة بخمسة وعشرين سنتيماً ،  يمارسون الحكمَ . هم يختنقون ، والمالُ يخنقهم "  ، يضحك داريو . " وهم بحاجةٍ إلينا ، كي نلتقط كستناءَهم من النار . ونحن بحاجةٍ إليهم لزعزعة البناء القديم . و في ما بعد … سوف نرى . "  . أجل . سوف نرى . نحن نعرف الحكاية القديمة . بعد الإطاحة بالـمَـلكية ، وهروب الجزويت ، وبعد ثلاثة أشهرٍ أو أربعةٍ ، فرضت الجمهورية النظام ، بأن حصدت العمّـالَ بالرشّــاشات . تقليدٌ قديمٌ . مَنْ يعِشْ يرَ . لن نكون ، الأضعفَ ، دائماً . ومع كل ما يختمرُ في الجانب الآخر من جبال البيرنيز … " سوف نلوي رقبة التقليد . أليس كذلك ؟ -
" نحن السلطة . السلطة الوحيدة . " – " في 73 صمدت’ ألكوي وقرطاجنّـة شهوراً . كانت لنا كوموناتُنا التي نتذكّرها . انتظرْ قليلاً . يا رجل ‍‍ سيكون الأمرُ جميلاً ‍ " .
 أمرٌ جميلٌ ، منذ الآن ، أن يحمل واحدُنا ذلكَ النصرَ في دواخلِــه . لديّ شكوكي ، لكن السبب هو أنني جديدٌ على هذه المدينة : ليس بمقدوري  ، مثلك يا داريو ،  أن أشعرَ بقوّةِ هذا الشعب تتصاعدُ في عروقي . وبالرغم مني ، أنظرُ إليك ، غالباً ، بالعينين المرتابتَينِ للأجنبيّ :  فأرى قلّـةَ خِبرتِكَ ، ومنظّمتَكَ الجنينيّــة ،  آراءَكَ الشجاعة المتناثرةَ ، تلقي الضوءَ هنا وهناك ،  لكنها غير قادرةٍ على الانتظام وتنظيم نفسها ، قويةً ، دقيقةً ، منضبطةً،  ناقدةً ذاتَها ، كي تغيِّــرَ العالَــم …
بضعةُ آلافٍ فقط من النقابيين  ، من بين ثلثمائة ألف بروليتاريّ. نقابات صغيرة ، هي بهذا القدْرِ أو ذاك ، مجموعاتُ نقاشٍ فوضوية . المباديء التي تحاذي الأحلامَ ، الأحلامَ النغّـارةَ القابلة لأن تكون أفعالاً ، لأنّ بشراً ذوي حيويةٍ  يحيَونَ عليها ( ولأنها في الأصل ، ليست أكثرَ من حقائقَ بسيطةٍ رفعتْـها إلى مستوى الأساطيرِ عقولٌ هي أغنى في بدائيّـتها من الشُّغلِ على النظريات ) . صحيحٌ أن نقابةً مؤلَّفةً من مائة رفيقٍ قد يستجيبُ إلى ندائها عشراتُ الآلاف من العمال ، ولسوف يكونون إلى جانبنا في الشارع . وصحيحٌ أيضاً أنه لأكثرَ من عشر سنين ، لم تنجح الحكومة في بناء سجنٍ جديدٍ في هذه المدينة . فالشبابُ في أعمال البناء لم يقبلوا  عملاً كهذا . وحينما أرادت الحكومة جلبَ عمّـالٍ من الأقاليم ، كانت شروحٌ قليلـةٌ  ، وبضعُ لكماتٍ على الأنف ، كافيةً لإعادة الشعور بالواجب البروليتاري لديهم .
يا داريو … لستُ أعرفُ إنْ كنا سنفوز . لستُ أعرفُ إنْ كان أداؤنا سيكون أفضلَ ممّـا فعلوا في قرطاجنّـةَ أو ألكوي . من الممكن تماماً ، يا داريو ،  أننا سوف نُـعـدَمُ ، جميعاً ، بالرصاص ، في النهاية . لستُ واثقاً من يومي ، ولستُ واثقاً من أنفُســنا   . حتى أمسِ  ، كنتَ ، أنتَ ، نفسُكَ ،  حمّــالاً في الميناء . مَـحْـنِـيّـاً تحت حِمْلِكَ ، تقودكَ قدماكَ المرِنتانِ عبرَ الألواحِ المترنحةِ ، إلى سطح التحميل في سفينة الشحن .
المياه المعتمة الزيتية تعكسُ لك صورةَ عبدٍ عملاقٍ ، شنيعةٍ من الأمام ، وجهُكَ متصلِّبٌ بتقطيبةٍ مريرةٍ ،  وأنت تنوءُ تحت عبء " أطلسٍ " . جسدُكَ الناضحُ عرَقاً كان متّقداً في خطفةٍ من ضوء الشمس . أنا نفسي ، كنتُ مغلولاً .
إنه لَـتعبيرٌ أدبيٌّ ،  يا داريو ، فالأرقامُ فقط هي التي تُحمَلُ  ، في أيامنا هذه ، لكنها في مثلِ ثِـقَلِ تلك الأغلال .
ريباس العجوز ( وهو من اللجنة ) كان يبيع ياقات قمصانٍ في بَـلَـنْسِـية . أمّـا بورتيز  فكان يطحن الأحجار  في مطاحن ميكانيكية  ، أو يحفر ثقوباً في دواليب الفولاذ .  وميرو ، ماذا كان يفعل بنباهته وعضَــلِـه؟ كان يزيِّتُ المكائنَ في قبوٍ بِـغراثيا .  الحقُّ ، أننا عبيدٌ . أترانا سنستولي على هذه المدينة؟ انظرْ إليها فقط ‍ ، هذه المدينة الممتازة. انظرْ إلى هذه الأضواء ، إلى هذه المشاعل ، أنصِتْ إلى الضجيج الفاخر – السيارات ، العربات ،  الموسيقى ، الأصوات ، أغاريد الطيرِ ، ووقعِ الـخُطى ، الـخُطى ، وحفيفِ الحرير والساتان  .أنْ نستولي على هذه المدينةِ بأيدينا هذه ، أهذا ممكنٌ ؟
سوف تضحك ، أكيداً ،  يا داريو ، إن تحدّثتُ إليك بصوتٍ عالٍ مثل هذا . سأقرأ  في عينيك الحاذقتينِ فكرةً ساخرةً لن تنطقَ بها . أنت لا تثق بالمثقفين ، وبخاصة ، أولئك الذين تذوّقوا سمومَ باريس . ولك الحقُّ في ذلك . لسوف تقول ، باسطاً كفّيكَ الـمُشعِـرتَينِ ، برفاقـيّـةٍ وثباتٍ  : " في ما يخصُّني ،  أظنني قادراً على أخذِ كلِ شـيء ، كلِ شـيء " . هكذا سنشعر أننا خالدون حتى اللحظة التي لا نعود فيها نشعر بشيء . والحياةُ ستستمرُّ بعد أن عادت قطرتُـنا الصغيرةُ إلى المحيط . هنا تلتقي ثقتي معك .  الغدُ مفعَمٌ بالعظَــمة . نحن لم نُنضِجْ هذا النصرَ ، عبثاً .
هذه المدينة ستؤخَذُ . إنْ لم يكن ذلك بأيدينا ، ففي
الأقلّ بأيدٍ أخرى مثل أيدينا ، لكنها أقوى ، أقوى ربّما
لأنها تصلَّبتْ أفضلَ بسبب ضعفنا . ولَئِنْ هُزِمْـنا ،
 فإن رجالاً يختلفون عنا تماماً ، ويشبهوننا تماماً ،
سوف يسيرون ، في مساءٍ مماثلٍ ، بعد عشر سنين ، أو
عشرين ( لا يهمّ الزمن ) على الشارع نفسه ، متأمِّلينَ
في الظَّـفَرِ ذاتهِ . وربما فكّروا بدمِـنا . الآنَ ، أنا أراهم
وأفكِّـرُ بدمهم الذي سوف يُراقُ أيضاً . لكنهم سيأخذون
المدينةَ . قال داريـو :
أمّـا القلعةُ فلسوف نستولي عليها من الداخل .
ـــــــــــــــــــــــــــ
* أُنجِزت المادة في لندن بتاريخ 23/6/2005

اخر تحديث الخميس, 08 نونبر/تشرين ثان 2007 10:23
 
alaan-b.jpg
فيلم " الأخضر بن يوسف "
لمشاهدة فيلم الأخضر بن يوسف اضغط هنا
المواضيع الاكثر قراءه
البحث