ســـعدي يوســف في الثاني من كانون ثاني 2005 ، كنتُ أغادرُ ، مع صديقتي ، مرفأ بورتسموث الهائل ، و الجميل أيضاً إذا قارنتَــه بساوثهامبتِن ، متجهَينِ إلى ســالزبري Salisbury ، بلدة الكاثدرائية الشهيرة التي بُـنِــيتْ أوائلَ القرن الثالث عشـــر ( الميلادي طبــعاً ) . كان زلزال البحر الآســيويّ يضع مِــيْــسَــمَــه على كل شــيء هنا : التلفزيون ، حديث المقاهي والمشارب ، الصحف ، الإذاعة …
إحدى قنوات التلفزيون كانت بثّتْ في ساعات الصباح الأولى ، نبأً موجَــزاً يفيدُ بأن رئيس أساقفة كانتربري لم يعُــد يؤمنُ بالله بعد التســونامي ! أخبرتُ صديقتي الخبرَ . كنا أمضينا ساعةً أو نحوَها في متحف بورتسموث ، وعرفتُ أن تشارلز ديكنز مولودٌ هنا ، وأن أيام اللورد نيلسون الأخيرة كانت هنا أيضاً ، كما عرفنا أن بورتسموث كانت أربعاً من البلداتِ يوماًما … إلخ . دخلنا مخزناً فيه صحفٌ . اشترينا نسخةً من الصنداي تلغراف ، إذ أن حديث رئيس أساقفة كانتربري كان منشوراً فيها ! الدكتور روانْ ويليَــمْــزْ Dr Rowan Williams رئيس أساقفة كانتربري قال: " المسألة هي … كيف بمقدوركِ أن تؤمنَ بإلــهٍ يسمحُ بمعاناةٍ على هذا النطاق ؟ " مضيفاً أن الصلاة لا تقدم حلولاً ســحريةً ! قبل هذا الكلام بشهورٍ ، أعلنَ رئيسُ الأساقفةِ رأيه صريحاً ، ضد الحرب في العراق ، قائلاً إن الله سيحاسبُ من اختارَها ســبيلاً . * بلغْــنا سالزبري عصراً . تركنا السيارةَ في مرآبٍ قريبٍ من الجادّة العامّــة ، واتّـجهنا إلى الكاثدرائية . غريبٌ كيف تتماثلُ الـمدنُ والبلْــداتُ ! مدن الجامعات تتماثل . مدن الكاثدرائيات تتماثل أيضاً . هنا في سالزبري ، الكثيرُ ، ممّـا يجمع بين البلدة وبلدةِ كاثدرائية شهيرةٍ أخرى ، هي كاثدرائية كانتربري ، الـمـحـجّ ، ومقام الدكتور روانْ وِيلـيَــمز الذي لم يعد يؤمن بالله … تدخل كاثدرائيةَ ســالزبَرِي ، لتدخل في صبوةٍ من صبوات الإنسان : البناء مرهَفٌ ، حتى ليبدو رقيقاً ، والزجاج المعشَّــقُ أبهى من أن يوصفَ وصفاً عابراً . أهمية كاثدرائية سالزبري أنها تحتفظ بنسخةٍ من " الماجنا كارتا " الشهيرة ، وبختْــمِ الملك جون الذي أصدرَ الوثيقة ، في العام 1215 الميلادي ، باللغة اللاتينية ، واضعاً الأساسَ للتطور الديمقراطي في المملكة المتحدة . ثمّتَ ، في الكاثدرائية ، قاعةٌ مخصصةٌ للماجنا كارتا ، تدعى The Chapter House ، وتعتبَـر الإنجازَ الأكثر اكتمالاً للعمارة القوطيّـة بإنجلترا . ويعود تاريخ بنائها إلى أواسط القرن الثالث عشــر ، وتعتمدُ مبدأَي الإنتظام الهندسي والنباتي في آنٍ . قُـبّــةُ القاعة ترتفع على ما يشبه أغصاناً تفرّعتْ ، منتظمةً ، من جذعٍ في منتهى الرقّــة . كل شــيءٍ يَـشِـفُّ كأنه من زجاجٍ … حتى الرخام يشِــفُّ . إن روح الماجنا كارتا تتبدّى هنا ، كأنها في انبثاقها الأول . الماجنا كارتا ، بابٌ في كاثدرائية سالزبري . * قبورٌ لا تتعدى العشرة تحيط بالـمُـصَـلّـى حيث المصاطبُ . هذه القبور لا تشكِّـلُ نقيضاً ، فهي تكاد تَــخفــى . أحد هذه القبور استلفتَ انتباهي . كان لفارسٍ شــابٍّ ، مُــدَّرِعٍ ، بكامل ســلاحه ، هكذا يقول تمثالُــهُ المتمددُ فوق الضريح . وأقرأُ : وليم لونغسيبي الأصغر Williem Longsepee The Younger ابنُ إيرل سالزبَري Son of The Earl of Salisbury قادَ الفرسانَ الإنجليز ، في الحملة الصليبية السابعة ، في الهجوم على المنصورة بمصر . وسقطَ قتيلاً بطلاً في العام 1250 دُفِــنَ في عكّــا . * إنه الباب الثاني للكاثدرائية ! أيُّ البابَــينِ هو الأوســعُ في عالــمنا المضطرب هذا ؟ لندن 4/1/2005
|