سعدي يوسف
يومَ نقلَ لويس عوض " بروميثيوس طليقاً " لشاعر الرومانسيّة الإنجليزية ، بيرسي بيش شَلِي ، في عربيةٍ ناصعةٍ ، وتعبيرٍ مُبِينٍ ، نالت هذه المأثرةُ اهتماماً تستحقّه ، لكن جانباً من الاهتمام كان مَعْنِيّاً بالمقدمة أكثر من النصّ المسرحيّ . لويس عوض لم يفصِحْ عن عُمقِه الماركسيّ قدرَ إفصاحه في
المقدمة التي تناول فيها الحركة الرومانسيّة ، باعتبارها حركة تغيير ثوريّة ، ليس في الأدب والفن وحدهما ، بل في تغيير مصائر عالَمِنا . من المؤسف أن ما حقّقه الرومانسيّون في الإبداع والسياسة ، في القرن التاســع عشر والقرن العشرين ، أجهزَ عليه عُتاةُ الرأسمال والاستعمار ، حتى لم يَعُدْ للمنتأى الثوريّ من خافقٍ .
*
بيرسي بيش شَلي (1792-1822)
غرِقَ مع زميلَيه ، في فيراجيو الإيطالية ، في تموز ( يوليو ) 1822.
في النهار التالي ، عثر تريلوني على البقعة التي دُفِنَ فيها شَلي ، في رمل الشاطيء . لم تكن العلامات واضحةً فاستغرقَ الأمرُ ساعةً حتى ارتطم الرفشُ بجمجمة شَلِي .
في الوقتِ نفسِه ، كان بايرون ، وهَنْتْ ، وصلا . يقول تريلوني في مذكراته إن بايرون طلب من الرجل أن يحتفظ بجمجمة شَلِي له ( أي للّورد بايرون ) ، لكنه يعرف أن بايرون كان استعملَ جمجمةً ،كأسَ شرابٍ ، فأبى أن تهانَ جمجمة شَلِي على هذا النحو .
ويقول تريلوني إن جمجمة شَلِي تكسّرتْ بعد أن حُرِّكَتْ من موضعِها في الرمل ، وقد دُهِشَ الرجل من رِقّة الجمجمة وهشاشتِها وصِغَر حجمِها .
أشعِلَتْ نارٌ ، تحت الجثّة . وبدأ سكْبُ الزيت والخمر والبخور على الكُدْسِ .
يقول تريلوني : حين ألقيتُ البخورَ ، ردّدتُ تهليلةً - أُعِيدُ إلى الطبيعةِ ، بالنارِ ، العناصرَ التي تكَوّنَ منها هذا الإنسانُ ، التراب والهواء والماء ، كل شيء تغيّرَ ، لكنه لم يَفْنَ ، إنه الآنَ بِضعةٌ ممّا كان يَعبدُ .
*
بروميثيوس طليقاً
الفصل الثالث - المشهد الثالث
" ترجمة سعدي يوسف "
- قوقاسوس ، بروميثيوس ، هرقل ، أيون ، الأرض ، الأرواح ، آسيا وبانثيا ، محمولون في مَرْكبةٍ مع " روح الساعة " . هرقل يُطْلِقُ بروميثيوس الذي ينزل .
هرقل : أيها الأمجدُ بين الأرواح ، هكذا فعلت القوّةُ للحكمة والشجاعة والحُبِّ المعذَّبِ طويلاً ، وأنت الهيأةُ المجسِّدةُ . السيّدُ كالعبدِ .
بروميثيوس : كلماتك اللطيفةُ
أعذبُ من الحريّةِ المنتظَرةِ طويلاً
والغائبةِ طويلاً .
وأنتِ يا آسيا
أنتِ نورُ الحياةِ ، والجمالُ الذي ليس له مثيلٌ .
وأنتُنّ يا عرائسَ الماءِ
اللائي جعلْنَ سنواتِ العذابِ
عذبةً للذكرى ...
أقولُ : لن نفترقَ ثانيةً .
ثمَتَ كهفٌ معشِبٌ ، تحجِبُ أوراقُه وأزهارُه ، النهارَ .
كهفٌ أرضُهُ زمرّدٌ مُعْرِقٌ . كهفٌ يتوسّطُهُ نبعٌ دافقٌ هادرٌ .
ومن سقفه المقوّسِ تتدلّى دموعُ الجبلِ المتجمدة
مثل الثلجِ أو الفضّة أو الماس
والنورُ ينهمرُ منها .
ثمّتَ يُسْمَعُ الهواءُ اللائبُ أبداً
هامساً من شجرة إلى شجرة
مع النحل والطير .
في كل موضع كراسيُّ من الطحلبِ
والجدرانُ الخشنةُ مكسوّةٌ بالعشبِ الطويلِ النضرِ.
مَرْبَعٌ بسيطٌ سيكون لنا . مسْكَنٌ سنجلسُ فيه
نتحدّثُ عن الزمن وتقلُّبِ أحوالِه .
العالَمُ يُزْبِدُ ويسيلُ
أمّا نحنُ ، فلن نتغيّرَ
لن نخرسَ ...
وأنتِ يا أيون ، ستغنِّين موسيقى البحرِ ، حتى أنامَ .
أنتِ تمضين باسمةً ، آخذةً معكِ ، الدموعَ التي أتتْ بها الموسيقى .
سنُعَلِّقُ أكماماً وزهوراً وقلائدَ على حافة النبعِ
ونَبْرأُ أشكالاً غريبةً من الأشياءِ العاديّةِ .
لندن 27.08.2016
|