السبت, 20 أبريل/نيسان 2024
الرئيسية
سيرة ذاتية
الاعمال الشعرية الكاملة
قصص قصيره
ديوانُ الأنهار الثلاثة
جِـــــــرارٌ بِلونِ الذهب
الحياة في خريطةٍ
عَيشة بِنْت الباشا
قصائـدُ هَـيْـرْفِـيــلْـد التلّ
طـيَـرانُ الـحِـدْأَةِ
الخطوة السابعة
الشــيوعــيّ الأخير فقط ...
أنا بَرلــيـنيّ ؟ : بــانورامـــا
الديوانُ الإيطاليّ
في البراري حيثُ البرق
قصائد مختارة
ديــوانُ صلاة الوثني
ديــوانُ الخطوة الخامسة
ديــوانُ شرفة المنزل الفقير
ديــوانُ حفيد امرىء القيس
ديــوانُ الشــيوعــيّ الأخير
ديــوانُ أغنيةُ صيّــادِ السّمَك
ديوان قصــائدُ نـيـويـورك
قصائد الحديقة العامة
صــورة أنــدريــا
ديــوانُ طَــنْــجـــة
ديوان غرفة شيراز
ديوانُ السُّونَيت
أوراقي في الـمَـهَـبّ
ديوان البنْد
ديوان خريف مكتمل
مقالات في الادب والفن
مقالات في السياسة
أراء ومتابعات
البحث الموسع
English
French
Spain
المتواجدون الان
يوجد حالياً 344 زائر على الخط
عن المستعمِر ولُغتِه طباعة البريد الإلكترونى

سعدي يوسف
أوجَينْ جييفِكْ  Eugene Guillevic  1907-1997 شاعرٌ بريتوني ( أي من منطقة بريتون ) الساحلية .
اللغة الأصلية لأهل المنطقة هي البروتانيّة ، لكن اللغة الرسمية للتعليم والإدارة هي اللغة الفرنسية .

 في مُقامي الباريسي  ، انعقدت بيني وبين أوجين جييفِكْ ، صداقةٌ مثمرةٌ ، وكنت كثير التردّد على منزله ، ألقاه هناك مع زوجته " لوسي " الـمُرَحِّبة ، ذات الوجه المتهلِّل . كنت أتردّدُ في التكلُّم بالفرنسية أمامه ، خشيةَ هِناتٍ في النحو أو تصريف الأفعال .
في أحد الأيام قال لي : Saadi ! Ouvre ta bouche !
يا سعدي ... افتحْ فمَكَ !
بعدَها صارت زياراتي أقلّ مشقّةً ...
وصارت أحاديثُنا سلسةً أو تكاد.
كان يحدّثُني عن طفولته ، عن أبيه ، عن علاقتهما بالبحر . سألتُه عن معنى جييفِك  بالبروتانيّة ، أجاب :
معناها الشيطان الصغير !
وعندما كان يحدِّثني عن تعليمه قال : أُرغِمْتُ على تعلُّمِ لغة المستعمِر والكتابة بها ...
أي أنه يعتبرُ اللغة الفرنسية لغةَ مستعمِرٍ .
زار جييفِك جمهورية اليمن الديمقراطية ، عندما كنت هناك ، ورافقت أوجين ولوسي حتى حضرموت وواديها القاحل ، الذي كان نضراً في العصور الخوالي .
*
 أردتُ بعد هذه  " الديباجة " المسهَبة ، أن أبلغَ نقطةً معيّنةً ، هي الموقف من لغةِ المستعمِر .
نحن ، في تراثنا ، نطلب العِلمَ ولو في الصين ...
ونقلْنا إلى عربيّتنا الجليلة الجميلة ، آثاراً جليلةً من لغاتٍ شتّى : اللاتينية واليونانية والسريانية والفارسية ، وقد تشرّبتْ حضارتُنا ما نقلناه حتى غدا  النقيلُ أصيلاً .
أيّامَها كنا أمّةً غالبةً ، وقوّةً قاهرةً .
*
 لكنّ يومَنا ، اختلَفَ ...
بمعنى أننا لم نعُدْ أمّةً غالبةً . الآخرُ يستضعفُنا حتى القهر والـمَذلّة .
حتى لغتُنا لم تَعُدْ لغتَنا . أي أننا ضائعون بين هذه العامّيّةِ وتلك .
وصغارُنا ، في بقاعٍ كثيرة من ديارنا ، يتلقّون نطقَهم الأول من مربِّياتٍ غيرِ عربيّاتٍ ، فإذا  ترعرعوا أُدخِلوا مدارسَ أجنبيّةً  ، تجعل ألسنتَهم معوَجّةً حين يحاولون العربيةَ ... ( وهي لغةُ أهلِ الجنّةِ ) كما يقال !
*
هذا ، كلّه ، ليس فادحاً حدَّ اللعنة .
فالأممُ ِقد تعرفُ ، مثلَنا ، فتراتِ وهَنٍ  ، ممكنة التجاوز ، حين يتعمّقُ الوعي.
لكننا لسنا من الوعي في بحبوحةٍ .
أقولُ هذا وأنا أجدُ التيّارَ الغالبَ في أعمال النقل والترجمةِ ، مَعنِيّاً  بأن ينقلَ من لغاتِ المستعمِر ، نتاجَ ثقافةِ المستعمِر .
أي أنه غيرُ معنِيٍّ بأن ينقلَ ، عبرَ لغةِ المستعمِر ، ما تقدمه إفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية ، من ثقافة وعِلمٍ .
كما أنه ، بسببٍ من طبيعة التكوين الثقافي ، غير قادرٍ على أن ينقلَ إلى عربيّتِنا ، آثاراً مكتوبةً بلغات آسيا وإفريقيا وأميركا اللاتينية .
*
يقال إن التثاقُفَ أخذٌ ، وعطاءٌ .
لكننا نأخذ ، ولا نعطي .
بمعنى أننا نأخذ من الآخر ، ولا نعطي الآخَر شيئاً منّا .
نحن لا نحاولُ الترجمة المعاكسة ، أي أن ننقل أعمالَنا إلى الآخر .
وفي كثير من الأحيان ، يتولّى الآخر  ، لا نحن ، نقل أعمالنا إلى لغة الآخر ، كما هي الحال لدى نجيب محفوظ ، ومحمد شكري ( المغربيّ ) ، على سبيل المثال.
*
رحلَ أوجين جييفِك ...
لكن كلماتِه ظلّت ترِنُّ رنينَها المدَوِّم ...
لغةُ المستعمِر !

لندن  22.12.2015

 
thepoetry.jpg
فيلم " الأخضر بن يوسف "
لمشاهدة فيلم الأخضر بن يوسف اضغط هنا
المواضيع الاكثر قراءه
البحث