منذ أن احتلّت جيوشُ ثماني عشــرةَ دولةً ودُوَيلةً ، أرضَ الرافدين ، وركزتْ راياتها ، وشــرعتْ تقاتِلُ الأهالي وتقتلهم ، مستبيحةً دُورَهم وديارَهم ، ومُســتوليةً على البترول ، تسويقاً وعوائدَ … مُـذّاكَ بدأتْ كتاباتٌ لعراقيينَ يساريين ( سابقين عراقاً ويساراً ) ، تباهي بما جرى ، وتتفاخر ، ولا تجد _ في سياق مباهاتها _ حرجاً في أن تشتم أبناءَ ديارِ العرب الأخرى ، لأنهم لم يتبيّــنوا حتى الآن ، ما آلَ إليه العراقُ من حريةٍ ومجدٍ . موجةُ التباهي هذه أخذتْ تخفتُ ، تدريجاً
، مع فداحة ما يَـحْـدثُ على الأرض ، وضيقِ المستخدِمين العربِ بلجاجةِ خَـدَمِــهم ، الكتّــابِ العراقيين اليساريين ، السابقينَ عراقاً ويساراً . ليس أمراً عجيباً ، في أيّــامنا هذه ، أن يتنكّــر امرؤٌ لماضيه أو معتقَــدِه … الأفعى أيضاً تنتزعُ جِــلْدَها . لكنّ المشكلَ في هؤلاء أنهم يعاودون انتزاعَ جلْـدِهم المنتزَع أصلاً ، كلّـما كتبَ أحدُهم تعليقاً أو خاطرةً . الســؤالُ : بَــمَ نُـباهي الأمم؟ أنُـباهيها بأننا لم نستطع أن نُسقِطَ طاغيةً بأنفسنا ؟ أنباهيها بأننا فقدنا استقلالَــنا حتى أجلٍ قد يمتدُّ نصفَ قرنٍ أو قرناً ؟ أنباهيها بأن ثروتنا الأساسَ ( البترول ) اختُطفتْ من أيدينا ؟ أنـباهيها بأنّ من يحكمنا ، ويتحكّــم بأمرنا ، ليس منّــا ؟ إلخ ، إلخ … أنت ، أيها الصديق ، تقول لي إن الزمان مختلفٌ . صحيحٌ ما تقول … لكنْ ، هل اختلفت الأخلاقُ أيضاً مع اختلاف الزمان ؟ لندن 25/1/2004
|