الأربعاء, 24 أبريل/نيسان 2024
الرئيسية
سيرة ذاتية
الاعمال الشعرية الكاملة
قصص قصيره
ديوانُ الأنهار الثلاثة
جِـــــــرارٌ بِلونِ الذهب
الحياة في خريطةٍ
عَيشة بِنْت الباشا
قصائـدُ هَـيْـرْفِـيــلْـد التلّ
طـيَـرانُ الـحِـدْأَةِ
الخطوة السابعة
الشــيوعــيّ الأخير فقط ...
أنا بَرلــيـنيّ ؟ : بــانورامـــا
الديوانُ الإيطاليّ
في البراري حيثُ البرق
قصائد مختارة
ديــوانُ صلاة الوثني
ديــوانُ الخطوة الخامسة
ديــوانُ شرفة المنزل الفقير
ديــوانُ حفيد امرىء القيس
ديــوانُ الشــيوعــيّ الأخير
ديــوانُ أغنيةُ صيّــادِ السّمَك
ديوان قصــائدُ نـيـويـورك
قصائد الحديقة العامة
صــورة أنــدريــا
ديــوانُ طَــنْــجـــة
ديوان غرفة شيراز
ديوانُ السُّونَيت
أوراقي في الـمَـهَـبّ
ديوان البنْد
ديوان خريف مكتمل
مقالات في الادب والفن
مقالات في السياسة
أراء ومتابعات
البحث الموسع
English
French
Spain
المتواجدون الان
يوجد حالياً 185 زائر على الخط
قراءة في كتاب 'إيماءات' للشاعر اليوناني يانيس ريتسوس اشتغال على مساحات متباينة في القصيدة طباعة البريد الإلكترونى

مازن معروف

Image

يقترح علينا الشاعر العراقي سعدي يوسف، مجموعة منتقاة من قصائد الشاعر اليوناني الراحل يانيس ريتسوس في مجموعة تحت عنوان 'إيماءات' (دار الجمل).
وما يختار يوسف ترجمته إلى العربية لا يتعدى كونه القليل جدا مما تركه ريتسوس، حيث أنه آثر الاشتغال على قصائد تعود إلى الفترة بين عامي 1968 و1970. بذلك، يستحق 'الكتيب' الشعري الذي بين يدينا تسمية 'مايكرو أنطولوجيا'، مشتملا في الوقت عينه على ملامح وافية تمكننا من اكتشاف نبرة ريتسوس، ولو مُظللا بالنقل 'السعدي' إلى العربية.

ظل ريتسوس أحد أبرز مرشحي نوبل حتى وفاته. وفي رأينا فإن عدم منحه الجائزة، يعني تقنيا إسقاط اسمه من سجل الفائزين بها. لكن ذلك، في المقلب الآخر، لا يحمل الدارسين عن تغافل أثره الشعري في تكوين القصيدة الحديثة. فالشاعر اليوناني الذي أثار اسمه حفيظة الحكام العسكريين في اليونان وكرهوه، استطاع أن يسلك في الشعر موازنا بين التراث الملحمي اليوناني من جهة، واليومي المعاش من جهة أخرى. عاملان أفضيا إلى قصيدته كما نراها: المرض، والتنقل بين مهن عدة لم يكن فيها مستقرا. وهما عاملان فيزيولوجيان أكسبا قصيدته ضرورة بتحسس العالم حوله بالصورة البصرية، وإن جزئ هذا العالم مرارا، وأدخل على حين غرة في نهاية فجة ومفاجئة و'عادية' إذا صح القول. وريتسوس المهجوس، كما يبدو، بتوظيف التفصيل اليومي في شعره، يمتاز عن كثيرين بأنه لم يعدل في جينات الصورة اليومية الوافدة إليه عبر العين، وإنما جمَّدها، كما هي، لتضمينها لاحقا كحجر مفقود، ولكن حتمي، في صرح القصيدة.
هكذا تتحول القصيدة في ريتسوس، مترجَما على الأقل، إلى نوع من التنسيق بين مداخل ومخارج، نفسية ومادية. لكنها تظل مفصولة عن بعضها البعض، او متروك شأنها في عهدة القارئ، ليكشف مواطن الربط بينها. الأمر أشبه بعملية رش أجزاء مقطَّعة من لعبة جدية ومصيرية، يتحلق حولها الحياة والموت، الحرية والانعتاق في زاوية وحيدة، الانفلاش والعتمة، السياسة والإنسان، التاريخ واللحظة العابرة، الانثروبولوجيا والملاحم من جهة، والمشاهد الغرائبية والشخصية من جهة أخرى. لذلك، فهي قصيدة تُوازن بين نقيضين أو مساحتين متابعدتين، وذلك بضخ الكم الاكبر من النبض في كل منهما. ثم تقرِّبهما من بعضهما البعض، أو تسحبهما في شريط اللغة. ينتج عن هذا، استثارة فورية لتوتر لا يمكن له أن يبين لو عملت إحدى المساحتين منفردة وبعيدة عن الأخرى. وهذا ما يفسر الاحساس باستيلاد أوتوماتيكي، ومجهول، لتلك الذبذبة التي تدغدغ أذهاننا عند قراءة النص الريتسوسي. وهو أيضا ما يمكن اعتباره سببا لإعادتنا إلى الوراء مرة أخرى، إلى البداية، إلى الرغبة في تفكيك الشيفرات التي تتراءى ضيقة، أو سهلة، أو هينة. وهي إيهامات مغلوطة نتيجة ارتباكنا كقراء أمام قوة النص/ القصيدة التي لا تعلن عن نفسها سوى عبر الكتلة، لا عبر الجملة الواحدة أو العبارة الشعرية المنفصلة.
غير أن قدرة ريتسوس على تطويع المعطى البصري لبناء مناخات متضاربة ومكسورة على ذاكرة نفسية، تأتي نتيجة نجاعة الشاعر في تحسس محيطه، واختزان هذا المحيط جيدا، وبتأنٍ، أو تكديسه بأناقة، في تلك 'البئر' حيث منبت الشعرية لديه. و'البئر' نستخدمها هنا، للإشارة إلى ذلك المصدر/ النقطة/ لحظة الحدث/ موطن التراكم، أو سمِّه ما شئت، حيث يُشحن طرف خيط القصيدة، ويؤدى به إلى فراره من مخبئه آخذا صيغا لغوية أو أدبية أو شعرية. هكذا نتصور دينامية عمل ريتسوس، الشعرية منها على الأقل، أو بعبارات أصح، عقله الشعري. وهي دينامية تبدو، باطلاع القارئ على عديد قصائد الشاعر، ناشطة جدا. او انها دينامية متحفزة لالتقاط كل التفاصيل حواليه وحفظها لمرحلة لاحقة. هذه الجهوزية الدائمة النشاط، لدى يانيس ريتسوس، لا يمكن قراءتها إلا باعتبارها نتيجة لسلسلة من الاختبارات النفسية والاجتماعية والصحية ولاحقا الفكرية والسياسية التي مر بها الشاعر. (لويس أراغون كان من أبرز مؤيديه وداعميه حينما أودع السجن اكثر من مرة، وكذلك فعل جمع عديد من الأدباء العالميين). فغياب الوالدة المبكر، وجنون الوالد، وإصابة الشاب يانيس بالسل مرارا وإدخاله المصح، وتكرر الحلقة الأخيرة على فترات متلاحقة خلال حياته، ومن ثم دخوله السجن اكثر من مرة ونفيه، كلها تجارب ستترك لديه إمكانات تحريك قصيدته في فضاء مغلق، أو محدود هندسيا. هذا كله إضافة إلى تعرفه بالادب العالمي عن كثب خلالها. أي أن تطور الوعي الشعري لديه لإنجاب قصيدة 'استثنائية'، أو 'جديدة' الظاهر، ما هو إلا نتاج جمالي لمرحلة من حياته لم تُكَنَّ بالجمال او الهدوء او الرخاء او التصالح مع الخارج. غير ان ما نلتفت إليه هنا، هو قابلية ريتسوس، أو رغبته (ونفترض انها رغبة التزم بها كوظيفة شعرية أو أسلوب كتابة) بضبط النبض الكلي للقصيدة، أو الناتج الكتابي في فضاء هو ليس بجامح على الإطلاق.
ومقابل العزلة التي تنعتق ضمنها كائناته في القصيدة، وهي كما أشرنا ارتداد لعزلة شخصية بصيغ مختلفة، يمنهج الشاعر اليوناني، الأبرز في القرن العشرين، قصيدته في فضاء هو في المقابل مطاطي، يختزل في مركَّباته، أنماطا شعرية مختلفة فلا تستطيع القول بأن نص ريتسوس مقتصر على سوريالية فقط، ولا واقعية، ولا هذيان، ولا رمزية، ولا سياسية، ولا خطابية، ولا حتى يومية أو ملحمية. وتملص النص من التصنيف يشي بمطواعية هذا النص على التمدد لينفذ إلى شريحة عريضة من القراء، من دون أن يعني هذا تعمد ريتسوس تقنيا للوصول إلى هذا الشكل. إلا أنه لا ينفي إمكانية بنائه انطلاقا من إحدى الأرضيات التي أوردناها. هو في النهاية نص يتوخى، عن غير قصد، الحوار مع القارئ البعيد، جغرافيا وسياسيا، والمتقارب إنسانيا، عبر لغة تحيد عن التجريد كما لا تُغوى بتضمين القسوة أو السوريالية الجافة أو الرمزية المبالغ فيها أو الغنائية التعويضية أو حتى الملامح البصرية كتجميل مجازي. وهذا الاختلاف الذي نتبينه في شعر ريتسوس، يؤدي إلى تحفيز القارئ على التواجد في مساحة يشعر فيها بـ'انزعاج جذاب' وخفة محكمة تجرجر سريرة مخيلته في نفس الوقت إلى نهاية غير نهائية، أو مفتوحة أو معطوفة على البداية أو موصولة ببدن القصيدة من جهات مختلفة. فتشابك الصورة البصرية، مع القلق أو كمية 'العتمة' التي تتسلط في دواخل الشاعر اليوناني، يتحتم عليه أن يكون تشابكا في ظاهره الأفقي غير متناسق، وفي باطنه معطوفا على قدرة الشاعر على ضغط عالمه او حصيلة يومه مثلا، مع قطيفة قليلة من ذاكرته النفسية. على كل حال، فإن أية قراءة لشعرية ريتسوس، لا يمكن إلا أن تُعتبر مجرد وجهة نظر مشروطة بما بين يدينا من قصائد مترجمة إلى الآن للشاعر.
________________________________________

اخر تحديث الثلاثاء, 08 نونبر/تشرين ثان 2011 11:41
 
kharif_diwan.jpg
فيلم " الأخضر بن يوسف "
لمشاهدة فيلم الأخضر بن يوسف اضغط هنا
المواضيع الاكثر قراءه
البحث