هنا ، في برلين ، لا تسمعُ النواقيسَ ، إلاّ نادراً ؛ أوّلاً لأنها خفيضةُ الرنين ، وثانياً لأن الكنائسَ والكاثدرائيّاتِ قليلةٌ نسبيّاً. برلين ، على أيّ حالٍ ، ليستْ مدينةً كاثوليكيةً ، ولا تُـمْـكِـنُ مقارنتُها ، في هذه النقطةِ ، بباريس ، المدينةِ التي تظلّ تئِنّ تحت سطوة الكاثوليكيّة. فرنسا جمهوريةٌ علمانيّةٌ لشعبٍ من المؤمنين الكاثوليك ! يقول بدر شاكر السياب: بُوَيب بُوَيب أجراسُ بُرجٍ ضاعَ في قرارةِ النهَرْ الماءُ في الـجِـرارِ ، والغروبُ في الشّـجَـرْ هنا يستعملُ بدرٌ كلمةَ " أجراس " ويعني بها النواقيس. البرجُ هو بُرجُ كنيسةٍ ما . عندما نُقِلَت، إلى لغتنا العربيةِ ، رواية إرنَستْ همنغواي الشهيرة : To whome the bells toll كان عنوانها : لِـمَن تدقّ الأجراس ... لكنّ " النواقيس " هي الأقربَ إلى روح الرواية . وعلينا ملاحظة أن همنغواي استعمل الفعل Toll Ring وليس الفعل الأول يعني رنيناً فيه حزنٌ ، أي أنه ليس قرْعاً أو دَقّـاً كما يعني الفعلُ الثاني. أرى أن العنوان الأقرب إلى روح رواية همنغواي ( المرثيّـة ) هو : لِـمَـن ترِنُّ النواقيس أو : لِـمَـن تئِنُّ النواقيس * في هذه الضاحية البرلينية ، حيثُ أقيمُ ، ضيفاً شِبْـهَ ثقيلٍ على ابنتي شــيراز ، أدمنتُ الـمشيَ رياضةً ونزهةً ، وفي مساءٍ مبكِّرٍ ، قُبَيلَ السادسةِ ، سمعتُ رنينَ ناقوسٍ خفيضاً. قلتُ لشيراز : لنتبع الصوتَ . أريد أن أرى الناقوس! في أعلى مبنىً ، كنتُ أمُرُّ به فلا أحسبُه كنيسةً ، كان ناقوسٌ حقيقيٌّ صغيرُ ، ينوسُ جيئةً وذهاباً ، ويتردّد صداه بالرغم من السيارات المسرعة عادةً. ظللنا ننصتُ إلى الرنين حتى الخفقة الأخيرة ! برلين 06.07.2010
|